للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثالثة بعد الثلاثين: قال بعض السلف رأيت شابا في الموقف مطرقًا رأسه إلى الأرض منذ وقف الناس إلى أن سقط القرص.

فقلت: يا هذا أبسط يدك للدعاء. فقال لي: ثمَّ وحشة. فقلت له: هذا يوم العفو عن الذنوب، فبسط يده ففي بسط يده وقع ميتًا.

وحُكِيت عن الفضيل أيضا قال: رأيت شابًا ساكتًا وعليه أثر الذِّلة والخشوع والناس يسألون الحوائج. فقلت: يا فتى اخرج يدك واسأل حاجة، فقال: يا شيخ وقعت بيننا وحشة وليس ثمَّ وجه، قال: فإذا كان كذلك فإن الوقت يفوت، فقال لي: ولا بُدَّ، فلما أراد أن يرفع يده بالدعاء صاح صيحة وخرَّ ميتًا.

ويُروى أنه كان أكثر دعائه اللهم ارحمني فإنك بي عالم ولا تعذبني فأنت علي قادر.

الرابعة بعد الثلاثين: قيل لبعض السلف وقد ضحى للشمس بعرفة في يوم شديد الحر: لو أخذت بالتوسعة، فأنشد:

ضحيت له كي أستظل بظله … إذا الظل أضحى في القيامة قالصًا (١)

فيا أسفى إن كان سعيي باطلًا … ويا حسرتى إن كان حظي ناقصًا

الخامسة بعد الثلاثين: قال بعض السلف: كنت بالمزدلفة وأنا أحيى الليل، فإذا بامرأة تصلي حتى الصباح ومعها شيخ.

فسمعته وهو يقول: اللهم إنا قد جئنا من حيث تعلم وحججنا كما أمرتنا، ووقفنا كما دللتنا، وقد رأينا أهل الدنيا إذا شابَ المملوك في خدمتهم تذمموا أن يبيعوه، وقد شبنا في ملكك فارحمنا (٢).

السادسة بعد الثلاثين: عن علي بن الموفق قال: حججت نيفًا وخمسين حجة، وجعلت ثوابها لرسول اللَّه وللخلفاء الأربعة ولأبويَّ، فبقيت حجة، فنظر إلى أهل الموقف بعرفات وضجيج أصواتهم فقلت: اللهم إن كان في هؤلاء أحد لم تقبل منه حجه فقد وهبت له هذه الحجة ليكون ثوابها له.

فبت تلك الليلة بالمزدلفة فرأيت ربي ﷿ في المنام فقال لي: يا ابن الموفق عليَّ تتسخَّى، قد غفرت لأهل الموقف ومثلهم وأضعاف ذلك وشفَّعت كل رجل منهم


(١) تقلص الشيء: تدانى وانضم، والثوب بعد الغسل، انكمش وقصر، والظل: انقبض ونقص.
(٢) وجدنا بالهامش: وقد نظر معناه بعضهم فقال: إن الملوك إذا شاب عندهما في رقهم أعتقوهم عتق أحرار، وأنت يا رب أولى منهم كرمًا، قد شبت في الرق، فاعتقني من النار

<<  <  ج: ص:  >  >>