للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلما نزلنا منزلة أخرى إذا به يصلي وأعضاؤه تظهر ودموعه تجرى، فأقبلت نحوه.

فلما رآني مقبلا قال: يا شقيق اقرأ: ﴿وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى (٨٢)(١) ثم تركني ومضى.

فقلت: إن هذا لمن الأبدال، ثم رأيته ثالثة، وإذا هو على بئر وبيده ركوة للاستقاء، فسقطت منه في البئر، فرمق السماء وقال: أنت ربي إذا ظمئت من الماء، وقوتي إذا أردت الطعام اللهم سيدي ما لي سواها، فلا تعدمني إياها قال شقيق: فواللَّه لقد رأيت البئر وقد ارتفع ماؤه، فمد يده وأخذ ركوته وملأها وتوضأ وصلى أربعا، ثم مال إلى كثيب رمل فجعل يفيض بيده ويطرحه في الركوة ويحركه ويشرب فأقبلت إليه وسلَّمت عليه فرد عليَّ السلام فقلت: أطعمني من فضل ما أنعم اللَّه عليك. فقال: يا شقيق لم تزل نعمة اللَّه علينا ظاهرة وباطنة فأحسن ظنك بربك.

ثم ناولني الركوة فشربت منها، فإذا هو سويق وسكر، فواللَّه ما شربت قط ألذ منه، ولا أطيب، فشربت ورويت وأقمت أياما لا أشتهي طعاما ولا شرابا. ثم رأيته بعد ذلك بمكة في جنب قبة الشراب نصف الليل يصلي بخشوع وأنين وبكاء، فلم يزل كذلك حتى ذهب الليل، فلما رأى الفجر، جلس في مصلاه يسبح، ثم قام يصلي، فلما سلم من صلاة الصبح طاف بالبيت أسبوعا وخرج فتبعته.

وإذا له حاشية ومال وأقبل الناس يسلمون عليه، وإذا هو موسى (٢) بن جعفر بن محمد بن الحسين بن علي بن أبي طالب، فعرفت إن هذا من ذاك الأصل.

الثالثة بعد الأربعين: عن الشيخ أبي سعيد الخزاز قال: دخلت المسجد الحرام فرأيت فقيرا عليه خرقتان يسأل فقلت في نفسي: مثل هذا يكدي.

فنظر إلي وقال: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ﴾ (٣).


(١) سورة طه (٨٢) أي كل من تاب إليَّ تبت عليه من أي ذنب كان حتى إنه تاب تعالى على من عبد العجل من بنى إسرائيل، وقوله تعالى: "تاب" أي: رجع عما كان فيه من كفر أو شرك أو معصية أو نفاق، وقوله: "آمن" أي: بقلبه "وعمل صالحا" أي: بجوارحه، وقوله "ثم اهتدى" قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: أي ثم لم يشكك، وقال سعيد بن جبير: "ثم اهتدى" أي لزم على السنة والجماعة [تفسير ابن كثير (٣/ ١٦٦)].
(٢) موسى بن جعفر بن محمد بن علي الحسين بن علي بن أبي طالب، أبو الحسين أبو الحسن الهاشمي العلوي المدني، الكاظم، صدوق، عابد، أخرج له: الترمذي وابن ماجه، توفي سنة (١٨٣). [التقريب (٢/ ٢٨٢)].
(٣) سورة البقرة (٢٣٥). =

<<  <  ج: ص:  >  >>