ولقد رأيت رجلا يقال له: مالك بن القاسم الجيلي وقد جاء وبيده غمر فقلت له إنك قريب عهد بالأكل. فقال لي: استغفر اللَّه، فإني منذ أسبوع لم آكل ولكن أطعمت والدي وسريت لألحق صلاة الفجر وبينه وبين الموضع الذي جاء منه تسعمائة فرسخ فهل أنت مؤمن بذلك؟ قلت: نعم.
قال: الحمد للَّه الذي أراني مؤمنا.
الحادية بعد الأربعين: قال بعضهم: كنت بالمدينة النبوية شرفها اللَّه فجئت عند القبر المشرف فإذا بعجمي كبير القامة يودع، فتبعته لما خرج، فلما بلغ مسجد ذي الحليفة صلى ولبى، فصليت ولبيت وخرجت خلفه، فالتفت فرآني فقال: ما تريد؟ فقلت: أريد أن أتبعك فأبى، فألححت عليه فقال: إن كان ولابد فلا تضع قدمك إلا على أثر قدمي. فقلت: نعم.
فمشى على غير الطريق، فلما مرَّ هويٌّ من الليل، إذا بضوء سراج فالتفت إليَّ وقال: هذا مسجد عائشة فتقدم أنت أو أتقدم أنا. فقلت ما تختار، فتقدم.
ونمت أنا حتى إذا كان وقت السحر، ودخلت مكة فطفت، وسعيت وجئت إلى عند الشيخ أبي بكر الكتاني وجماعة الشيوخ قعود، فسلمت عليهم فقال لي الكتاني: متى قدمت؟ قلت: الساعة، قال: من أين؟ قلت: من المدينة، قال: كم لك منها؟ قلت: البارحة.
فنظر بعضهم إلى بعض فقال الكتاني: مع من جئت؟ فقلت: مع رجل من حاله وقصته كذا وكذا، فقال: ذاك أبو جعفر الدامغاني، وهذا في حاله قليل.
ثم قال: قوموا فاطلبوه وقال لي: يا ولدي علمت أن هذا ليس حالك، كيف كنت تحس بالأرض تحت قدميك؟ قلت: مثل الموج إذا دخلت تحت السفينة.
الثانية بعد الأربعين: عن شقيق البلخي ﵀ قال: خرجت حاجا سنة، فنزلت القادسية فبينما أنا أنظر إلى الناس وزينتهم وكثرتهم، نظرت فتى حسن الوجه فوق ثيابه ثوب صوف مشتملا بشملة، وفي رجليه نعلان وقد جلس منفردا.
فقلت في نفسي: هذا الفتى صوفي يريد أن يكون كلًّا على الناس في طريقهم، واللَّه لأمضين إليه ولأوبخنه.
فلما رآني مقبلا، قال: يا شقيق ﴿اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾ (١) فتعجبت منه، فأردت أن أجالسه، فغاب عني.