فقال: ما كان إلا حين دعاني بفضله فأجبته فأعطاني كل ما طلبته، ثم عاد إلى طوافه وتركني ومضى. فلم أراه بعد.
الثامنة بعد الثلاثين: عن أبي عبد اللَّه الجوهري، قال: كنت سنة بعرفات، فلما كان آخر الليل نمت، فرأيت ملكين نزلا من السماء فقال أحدهما لصاحبه: كم وقف في هذه السنة؟
قال: ستمائة ألف، ولم يقبل إلا ستة أنفس قال: فهممت أن ألطم وجهي وأنوح على نفسي. قال: فما فعل اللَّه في الجميع؟ قال: نظر إليهم بعين الكرم فوهب لكل واحد منهم مائة ألف.
التاسعة بعد الثلاثين: ركب جماعة من التجار في البحر متوجهين إلى الحج، فانكسر المركب وضاق الوقت عن الحج، وفيهم إنسان كان معه بضاعة بخمسين ألف درهم، فتركها وتوجه إلى الحج.
فقيل له: لو أقمت لعله يخرج لك بعض بضاعتك. فقال: واللَّه لو حصلت لي الدنيا كلها ما اخترتها على الحج. ودعا من شهده من الأولياء بعد أن رأيت منهم ما رأيت، قالوا: وما رأيت؟
قال: كنا مرة متوجهين إلى الحج فأصابنا عطش في بعض الأيام، وبلغت الشربة كذا وكذا، ودرت في الركب من أوله إلى آخره فلم يحصل لي ما يبيع ولا غيره وبلغ العطش مني الجهد. فتقدمت قليلا، وإذا بفقير معه عكازه وركوة، وقد ركز العكاز في ساقية بركة، والماء ينبع من تحت العكاز، ويجري في الساقية إلى البركة فجئت إلى البركة فشربت وملأت قربتي، ثم أعلمت الركب فاستقوا كلهم منها وتركوها وهي تطفح.
الأربعون: عن سهل بن عبد اللَّه قال: مخالطة الولي للناس ذل وتعزيزه عز، قال: ما رأيت وليا للَّه إلا منفردا.
إن عبد اللَّه بن صالح كان رجلا له سابقة وموهبة جزيلة، وكان يفر من الناس من بلد إلى بلد، حتى أتى مكة فطال مقامه بها، فقلت له: لقد طال مقامك بها.
فقال: لِمَ لا أُقيم بها ولم أر بلدا تنزل فيه الرحمة والبركة أكثر منها، والملائكة تغدو وتروح، وإني أرى فيه أعاجيب كثيرة، وأرى الملائكة يطوفون بالبيت على صور شتى، لا يقطعون ذلك ولو قلت كلما رأيت لصغرت عنه عقول قوم ليسوا بمؤمنين.
فقلت: سألت باللَّه إلا ما أخبرتني بشيء من ذلك.
فقال: ما من ولي صحت ولايته إلا وهو يحضر هذا البيت في كل ليلة جمعة لا يتأخر عنه، فمقامي لأجل رؤياهم.