فلما وافينا المنزلة سألته الصحبة فأبى وتركني، ورششت من ذلك الماء على عليل فبرأ.
الخامسة بعد الأربعين: قال بعض الصالحين: بينما أنا جالس عند الكعبة إذ جاء شيخ قد شال ثوبه على وجهه، ودخل زمزم فاستقى بركوة وشرب فأخذت فضله. فإذا هو ماء مخلوط بعسل لم أذق شيئًا قط أطيب منه، فالتفت لأنظره، فإذا هو قد ذهب.
ثم عدت من الغد فجلست عند البئر وإذا به قد أقبل وثوبه مسدول على وجهه فدخل زمزم فاستقى دلوًا وشرب. فأخذت فضلته فشربت منها، فإذا هو لبن ممزوج بسكر لم أذق شيئًا أطيب منه.
السادسة بعد الأربعين: قال علي بن الموفق: حججت سنة من السنين في محمل، فرأيت رحالة فأحببت المشي معهم وأركبت واحدًا في محملي، ومشيت معهم، فتقدمنا إلى البرية، وعدلنا عن الطريق فنمت. فرأيت في منامي جوراي معهن طسوت من ذهب وأباريق فضة يغسلون أرجل المشاة، فبقيت أنا فقالت إحداهن لصواحبها: أليس هذا منهم؟ قلن: هذا له محمل.
قالت: بلى هو منهم لأنه لأحب المشي معهم.
فغسلن رجلي، فذهب عني كل وجع كنت أجده.
السابعة بعد الأربعين: قال بعضهم: كنت أسير في البادية مع القافلة فرأيت امرأة تمشي بين يديها فقلت: هذه ضعيفة سبقت القافلة لئلا تتقطع، وكان معي دُرَيْهمات فأخرجتها من جيبي وقلت لها خذيها، فإذا نزلت القافلة فاطلبيني لأجمع لك شيئًا تكترين به مركوبًا يحملك.
فمدت يدها وقبضت شيئًا من الهواء فإذا في يدها دراهم، فناولتني إياها وقالت: أنت أخذتها من الجيب، ونحن أخذناها من الغيب.
الثامنة بعد الأربعين: عن الشيخ فتح الموصلي (١) قال: رأيت في البادية غلامًا لم يبلغ الحنث يمشي ويحرك شفتيه. فسلمت عليه، فرد الجواب فقلت له: إلى أين يا غلام؟ فقال إلى بيت اللَّه الحرام. قلت: فبماذا تحرك شفتيك؟ قال: بالقرآن. قلت:
(١) فتح الموصلي هو فتح بن محمد بن وشاح الأزدي الموصلي، الزاهد، أحد العارفين، ذكر المعافي بن عمران شيخ الموصلي أنه لقي ثمانمائة شيخ ما فيهم أعقل من فتح، وكان مشهورًا بالعبادة والفضل، وهو فتح الموصلي الكبير، لا فتح الصغير، وأرسل إليه المعافي بألف درهم فردها وأخذ منها درهمًا مع شدة فاقة أهله، وقيل: إنه كان لا ينام إلا قاعدًا، وكان كثير البكاء من خشية اللَّه ملازمًا لقيام الليل، توفي سنة (١٦٥). [الذهبي في تاريخ الإسلام وفيات (١٦١ - ١٧٠)].