للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإنه لم يجر عليك قلم التكليف. قال: رأيت الموت يأخذ من هو أصغر مني سنًا. قلت: خطوك صغير، وطريقك بعيد.

فقال: إنما علي نقل الخطا، وعلى اللَّه الإبلاغ. قلت: فأين الزاد والراحلة؟ قال زادي يقيني وراحلتي رجلاي.

قلت: أسألك عن الخبز والماء. قال: يا عماه أرأيت لو أن مخلوقًا دعاك إلى منزله أكان يجمل بك أن تحمل معك زادك؟ فقلت: لا.

قال: سيدي دعا عباده إلى بيته، وأذن لهم في زيارته، فحملهم ضعف يقينهم على حمل أزوادهم وأنا استقبحت ذلك وحفظت الأدب معه، أفتراه يضيعني؟ فقلت: كلا وحاشا.

ثم غاب عن عيني، فلم أره إلا بمكة. فلما رآني قال: يا شيخ أنت بعد ذلك الضعف في اليقين، ثم أنشأ يقول:

مالك العالمين ضامن رزقي … فلماذا أكلف الخلق رزقي

قد قضى لي بما قضى لي ومالي … مالكي في قضائه (١) قبل خلقي

صاحب البذل والنداء في يساري … ورفيقي في عسرتي حسن خلقي

فكما لا يرد عجزي رزقي … فكذا لا يجيء برزقي حذقي

التاسعة بعد الأربعين: عن ذي النون المصري قال: رأيت في البادية حدثًا كأنه سبيكة فضة قد ولع بجسمه الوله، يريد الحج. فصحبته وأوصيته وذكرت له بعض المشقة. فأنشأ يقول:

بعيد على الكسلان أو ذي ملالة … وأما على المشتاق غير بعيد

الخمسون: قال شقيق البلخي: رأيت في طريق مكة مُقْعَدًا يزحف على الأرض فقلت له: من أين أقبلت؟ قال: من سمرقند.

قلت: وكم لك في الطريق؟

فذكر أعوامًا تزيد على العشرة، فرفعت طرفي أنظر إليه متعجًا فقال لي: ما لك


(١) قال الخطابي: وقد يحسب كثير من الناس أن معنى القضاء والقدر إجبار اللَّه العبد وقهره على ما قدره وقضائه وليس الأمر كما يتوهمونه، وإنما معناه الإخبار عن علم اللَّه بما يكون من اكتساب العبد وصدورها عن تقدير منه وخلق لها خيرها وشرها، قال: والقدر اسم لما صدر مقدرًا عن فعل القادر، يقال: قدرت الشيء وقدرته بالتخفيف والتثقيل بمعنى واحد، والقضاء في هذا معناه الخلق كقوله تعالى: ﴿فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ﴾. [النووي في شرح مسلم (١/ ١٣٩) طبعة دار الكتب العلمية].

<<  <  ج: ص:  >  >>