للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يا شقيق؟ أما بعد سفرتي فالشوق يقربها، وأما ضعف مهجتي فمولاها يحملها.

يا شقيق أتعجب من عبد ضعيف يحمله المولى اللطيف، ثم أنشأ يقول:

أزوركم والهوى صعب مسالكه … والشوق يحمل من لا مال يسعده

ليس المحب الذي يخشى مهالكه … كلا ولا شدة الأسفار تبعده

الحادية بعد الخمسين: عن بعضهم قال: رأيت كهلًا قد أجهدته العبادة وبيده عصا وهو يطوف معتمدًا عليها، فسألته عن بلده فقال: خراسان.

ثم قال: في كم تقطعون هذا الطريق؟ قلت: في شهرين أو ثلاثة. قال: أفلا تحجون كل عام؟ فقلت له: كم بينك وبين هذا البيت؟ قال: مسيرة خمس سنين. قلت: هذا واللَّه هي المحبة الصادقة.

فأنشأ يقول:

زر من هويت وإن شطت بك الدار … وحال من دونه حُجُبٌ وأسفار

لا يمنعك بعد من زيارته … إن المحب لمن يهواه زوار

الثانية بعد الخمسين: قال علي بن الموفق (١): سمعت امرأة متعلقة بأستار الكعبة تنشد وتقول:

يا حبيب القلوب مالي سواكا … فارحم اليوم زائرًا قد أتاكا

عيل صبري وزاد فيك اشتياقي … وأبي القلب أن يحب سواكا

أنت سؤلي وبغيتي ومرادي … ليت شعري متى يكون لقاكا

ليس قصدي من الجنان نعيمًا … غير إني أريدها لأراكا

ونختم المجلس بما وعدنا به في مجلس الصلاة على رسول اللَّه وهو ما حكاه أصحابنا عن العتبي مستحسنين له قال: كنت جالسًا عند قبر رسول اللَّه فجاء أعرابي فقال: السلام عليك يا رسول اللَّه، السلام عليك يا صفوة اللَّه، سمعت اللَّه تعالى يقول: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ﴾ (٢) الآية، وقد جئتك مستغفرًا من ذنبي مستشفعًا بك إلى ربي.


(١) علي بن الموفق الزاهد، أحد مشايخ الطرق، له أحوال ومقامات، صحب منصور بن عمار، وأحمد بن أبي الحواري، حكى عنه أبو العباس السراج: سمعت علي بن الموفق يقول: خرجت على رحلي ستين سنة، وقرأت نحو اثني عشر ألف ختمة، وضحيت عن رسول اللَّه مائة وسبعين أضحية، وجعلت في حجاتي ثلاثين عن النبي . قلت. أي الذهبي. وفد ناس فيهم أبو العباس السراج فضحى عن النبي كذا وكذا أضحية.
توفي علي بن الموفق سنة (٢٦٥) [تاريخ الإسلام للذهبي (٢٦١/ ٢٧٠)].
(٢) سورة النساء (٦٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>