قال: الحصن الأول: من ذهب: وهو معرفة اللَّه تعالى وحوله: حصن من فضة، وهو الإيمان باللَّه، وحوله حصن من حديد وهو التوكل على اللَّه وحوله حصن من حجارة وهو الشكر والرضا عن اللَّه وحوله حصن من فخار وهو الأمر والنهي والقيام بهما، وحوله حصن من زمرد وهو الصدق والإخلاص في جميع الأحوال.
وحوله حصن من لؤلؤ رطب وهو أدب النفس.
والمؤمن من داخل هذه الحصون، وإبليس من ورائها ينبح كما ينبح الكلب، والمؤمن لا يبالي به لأنه قد تحصن بهذه الحصون.
فينبغي للمؤمن أن لا يترك أدب النفس في أحواله ولا يتهاون به في كل ما يأتيه، فإنه من ترك أدب النفس وتهاون به يأتيه الخذلان من فوق لتركه الأدب، ولا يزال إبليس يعالجه ويطمع فيه حتى يأخذ منه الحصن الأول ثم لا يزال يأخذ منه حصنًا بعد حصن إذا ترك الأدب، ويطمع فيه، ويأتيه الخذلان من اللَّه لتركه حسن الأدب حتى يأخذ منه جميع الحصون، ويرده إلى الكفر فيخلد في النار، نعوذ باللَّه من جميع ذلك، ونسأله التوفيق وحسن الأدب.
قال: فقلت له: أوصني بوصية.
قال: نعم جبرك اللَّه، اجتهد في رضى خالقك بقدر ما تجتهد في رضى نفسك، واعمل في الدنيا بقدر مقامك فيها، واعمل لربك بقدر حاجتك إليه، وأطع إبليس لعنه اللَّه بقدر نصحه لك، وارتكب من المعاصي بقدر طاقتك على النار، واحفظ لسانك عما لا ترجو فيه ثوابا كما تحفظ نفسك من سلعة لا ترجو فيها ربحًا.
واترك أربعة لأربعة، ثم لا تبالي متى مت اترك الشهوات إلى الجنة والنوم إلى القبر، والراحة إلى الصراط والفخر إلى الميزان.
ثم قام فمشى، فأقمنا يومنا ذلك.
فلما كان اليوم الرابع ودعناهم فقال الشيخ في آخر كلامه لنا: يا فتيان استروا المكان يستركم اللَّه في الدنيا والآخرة.
الحادية عشرة: عن أبي عامر الواعظ قال: بينما أنا جالس في مسجد الرسول ﷺ إذ جاءني غلام أسود برقعة فإذا فيها مكتوب: بسم اللَّه الرحمن الرحيم متعك اللَّه بمسامرة الفكرة ونعمك بمؤانسة العبرة، وأفردك بحب الخلق، يا أبا عامر أنا رجل من إخوانك بلغني قدومك المدينة، فسررت بذلك، وأحببت زيارتك.
وبي من الشوق إلى مجالستك والاستماع إلى مجالستك والاستماع إلى محادثتك ما لو كان فوقي لأظلني أو كان تحتي لأقلني فسألتك بالذي حباك بالبلاغة