للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهذا تصريح بمضمون ذلك كله.

وأي تخويف أبلغ من ذلك، وزجر أعظم مما هنالك، وقد كرر ذلك وأعقبه بأردع وعظ، وأزجره وأقوى عزيمة وأقصمه.

وقال تعالى: ﴿يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (٣٤) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (٣٥)(١) الآية وفيها تنويه هذا التحذير بأنه ﴿لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ﴾ (٢).

إذ يفر من أحبابه وأنصاره وهو مشتغل بما هو مدفوع إليه، ويعلم أن أحدًا منهم لا يغني عنه شيئًا ﴿لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (٣٧)(٣).

وفي ترتيب من يفر منهم بلاغة واضحة ونكتة لامعة.

وقال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (١)(٤) إلى قوله: ﴿شَدِيدٌ﴾.

أي يذهل لسببه ما ذكر، وهو موضح للفرار السالف، وتقرير وقوعه في النفوس.

وقال: ﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (٤٦)(٥) الآيات.

قيل إحداهما لترك المنكرات والأخرى لفعل الخيرات الناشئ من الخوف.

وقيل: إحداهما جزاء، والأخرى زيادة من فضل اللَّه.

وقيل: إحداهما للإنسي، والأخرى للجني.

ومقام الرب ، إما قيام الناس لرب العالمين وإما قيامه على كل نفس بما كسبت.


(١) سورة عبس (٣٤، ٣٥).
أي يراهم ويفر منهم ويبتعد منهم لأن الهول عظيم والخطب جليل، قال عكرمة: يلقى الرجل زوجته فيقول لها: يا هذه أي بعل كنت لك؟ فتقول: نعم البعل كنت وتثنى بخير ما استطاعت فيقول لها فإني أطلب اليك اليوم حسنة واحدة تهبينها لي لعلي أنجو مما ترين، فتقول له ما أيسر ما طلبت ولكن لا أطيق أن أعطيك شيئًا أتخوف مثل الذي نخاف. . . إلى آخره في الابن. [تفسير ابن كثير (٤/ ٤٧٣)].
(٢) سورة هود (٤٣).
(٣) سورة عبس (٣٧).
(٤) سورة الحج (١، ٢).
اختلف المفسرون في زلزلة الساعة، هل هي بعد قيام الناس من قبورهم يوم نشورهم إلى عرصات القيامة، أو ذلك عبارة عن زلزلة الأرض قبل قيام الناس من أجداثهم كما قال تعالى: ﴿إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (١) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (٢)﴾. [تفسير ابن كثير (٣/ ٢٠٩)].
(٥) سورة الرحمن (٤٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>