للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال تعالى: ﴿وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (٢٥) قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ (٢٦)(١).

إلى قوله: ﴿الرَّحِيمُ﴾.

وفيه ابتهاج أهل الجنة بإشفاقهم ذكر ما استفادوه به، والآيات في الباب كثيرة.

وأما الأحاديث فمنتشرة نذكر منها ستة عشر حديثًا:

أولها: حديث ابن مسعود قال: حدثنا رسول اللَّه الصادق المصدوق: "إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يومًا ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك، ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك".

ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح (٢)، ويؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد (٣)، فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها.

وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق


(١) سورة الطور (٢٥ - ٢٨).
أي أقبلوا يتحادثون ويتساءلون عن أعمالهم وأحوالهم في الدنيا، وهذا كما يتحدث أهل الشراب على شرابهم إذا أخذ فيهم الشراب بما كان من أمرهم ﴿قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ (٢٦)﴾ [الطور: ٢٦] أي كنا في الدار الدنيا ونحن بين أهلينا خائفين من ربنا مشفقين من عذابه وعقابه ﴿فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ (٢٧)﴾ [الطور: ٢٧] أي فتصدق علينا وأجارنا مما نخاف ﴿إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ﴾ [الطور: ٢٨]، أي نتضرع إليه، فاستجاب لنا وأعطانا سؤلنا ﴿إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ (٢٨)﴾. [تفسير ابن كثير (٤/ ٢٤٢، ٢٤٣)].
(٢) اتفق العلماء على أن نفخ الروح لا يكون إلا بعد أربعة أشهر، ووقع في رواية للبخاري إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين، ثم يمكث علقة مثله ثم يكون مضغة مثله، ثم يبعث إليه الملك فيؤذن بأربع كلمات فيكتب رزقه وأجله وشقي أو سعيد ثم ينفخ فيه".
(٣) المراد بجميع ما ذكر من الرزق والأجل والشقاوة والسعادة والعمل والذكورة والأنوثة، أنه يظهر ذلك للملك ويأمره بإنفاذه وكتابته وإلا فقضاء اللَّه تعالى سابق على ذلك وعلمه وإرادته لكل ذلك موجود في الأزل واللَّه أعلم.
والمراد بالذراع التمثيل للقرب من موته ودخوله عقبه وأن تلك الدار ما بقي بينه وبين أن يصلها إلا كمن بقى بينه وبين موضع من الأرض ذراع، والمراد بهذا الحديث أن هذا يقع في نادر من الناس لا أنه غالب فيهم، ثم إنه من لطف اللَّه تعالى وسعة رحمته انقلاب الناس من الشر إلى الخير في كثرة وأما انقلابهم من الخير إلى الشر ففي غاية الندور ونهاية القلة وهو نحو قوله تعالى: "إن رحمتي سبقت غضبي وغلبت غضبي". [النووي في شرح مسلم (١٦/ ١٥٧ - ١٥٨) طبعة دار الكتب العلمية].

<<  <  ج: ص:  >  >>