والأشجان، ما يشركني فيها أحد، قلت: وكيف ذاك؟ قالت: ذبح زوجي شاة وضحى بها، ولي ولدان صغيران يلعبان، وعلى ثديي طفل يرضع، فقمت لأصنع لهم طعاما، إذ قال ابني الكبير للصغير: ألا أريك كيف صنع أبي الشاة؟ قال: بلى، فأضجعه وذبحه، وخرج هاربًا نحو الجبل، فأكله ذئب، فانطلق أبوه في طلبه، فأدركه العطش فمات، فوضعت الطفل وخرجت إلى الباب أنظر ما فعل أبوهم، فدب الطفل إلى البرمة، وهي على النار، فألقى يده فيها وصبها على نفسه، وهي تغلي، فانتثر لحمه عن عظمه، فبلغ ذلك ابنة لي كانت عند زوجها، فرمت بنفسها إلى الأرض، فوافت أجلها، فأفردني الدهر من بينهم، فقلت لها: كيف صبرك على هذه المصائب العظيمة؟ فقالت: ما من أحد (يبر)(١) الصبر والجزع إلا وجد منهاجًا متفاوتًا، فأما الصبر فحسن العلانية، محمود العاقبة، وأما الجزع فصاحبه غير مفوض، ثم أعرضت وهي تقول:
صبرت فكان الصبر خير معول … وهل جزع يجدي إليَّ فأجزع
صبرت على ما لو تحمل بعضه … جبال غرورًا أصبحت تتصدع
ملكت دموع العين حتى رددتها … إلى ناظري فالعين في القلب تدفع