للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

السبيل لأمضينا لك الدخول فيها.

السادسة: عن عبد الواحد بن زيد قال: خرجت إلى ناحية (الخريبة) (١) فإذا أن بشاب أسود مجذوم قد تقطعت أوصاله، وعمي، وأقعد، وإذا صبيان يرجمونه حتى أدموا وجهه، فرأيته يحرك شفتيه، فدنوت منه فإذا به يقول: يا سيدي إنك تعلم أنك لو قرضت لحمي بالمقاريض، ونشرت عظامي بالمناشير، ما ازددت لك إلا حبا، واصنع بي ما شئت.

السابعة: روي أن يونس (٢) قال لجبريل "دلني على أعبد أهل الأرض، فأتى به إلى رجل قد قطع الجذام يديه ورجليه، وهو يقول: متعتني بهما حيث شئت، وسلبتهما حيث شئت، وأبقيت لي فيك الأمل يا بار يا غفور، فقال يونس: يا جبريل سألتك أن تريني صواما قواما، فقال قد كان قبل البلاء هكذا، وقد أمرت أن أسلبه بصره، فأشار إلى عينيه فسالتا، فقال: متعتني بهما حيث شئت، وسلبتهما حيث شئت، وأبقيت لي فيك الأمل يا بار يا غفور، فقال جبريل: هل تدعو وندعوا معك، ويرد اللَّه عليك يديك ورجليك وبصرك، وتعود إلى العبادة التي كنت عليها؟ فقال: ما أحب ذلك، قال: ولم؟!! قال: إذا كانت محبته في هذا، فمحبته أحب إليَّ، فقال يونس: ما رأيت أحدًا أعبد من هذا، فقال جبريل: هذا طريق لا يوصل إلى اللَّه بأفضل منه، وأنشدوا:

قالت لطيف الخيال زارها ومضى … باللَّه صفة ولا تنقص ولا تزد

فقال خلقته لو مات من ظمإ … وقلت قف عن ورود الماء لم يرد

قالت صدقت الوفا في الحب عادته … يا برد ذاك الذي قالت على كبدي

الثامنة: عن أبي الحسن السراج قال: حججت فبينا أنا أطوف فإذا أنا بامرأة قد أضاء حسن وجهها، فما رأيت مثل ذلك، وما ذاك إلا لقلة الهم والحزن، فسمعت ذلك القول مني فقالت: أعده فواللَّه إني لوثيقة بالأحزان، مكلومة الفؤاد بالهموم


(١) كذا بالأصل.
(٢) فيما روى مسلم [١٦٧ - (٢٣٧٧)] في الفضائل، [٤٣] باب في ذكر يونس عن ابن عباس، عن النبي قال: "ما ينبغي لعبد أن يقول: أنا خير من يونس بن متى" قال النووي: هذه الأحاديث تحتمل وجهين: أحدهما أنه قال هذا قبل أن يعلم أنه أفضل من يونس، فلما علم ذلك قال: "أنا سيد ولد آدم"، والثاني: أنه قال هذا زجرًا عن أن يتخيل أحد من الجاهلين شيئًا من حط مرتبة يونس من أجل ما في القرآن العزيز من قصته، قال العلماء: وما جرى ليونس لم يحطه من النبوة مثقال ذرة، وخص يونس بالذكر لما ذكرناه من ذكره في القرآن بما ذكر. النووي في شرح مسلم [١٥/ ١٠٩] طبعة دار الكتب العلمية.

<<  <  ج: ص:  >  >>