للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومع ما يتعلق به البطَّالون من الرجاء الكاذب الذي لا تحقيق لهم فيه، ولا يدرون كيف العواقب، فواللَّه لا يرد المنزل غدًا إلا المضمرون، ولا يفوز بالسبق إلا المشهرون، فخذ يا أخي لنفسك ما أمكن الأخذ بها فليس المطلوب غيرك، وكن من أهل النهى.

فقلت: ادعي لي بدعوة، فحمدت اللَّه بمحامد لم أسمع بمثلها قط، وصلّت على رسول اللَّه بصلاة لم أسمع بمثلها قط، ودعت بدعاء حسن.

الثالثة عشر: عن سري السقطي: بلغني أن امرأة كانت إذا قامت من الليل قالت: اللهم إن إبليس عبد من عبيدك ناصيته بيدك، يراني من حيث لا أراه وأنت تراني من حيث لا يراك.

اللهم أنت تقدر على أمره كله، ولا يقدر على شيء من أمرك اللهم إن أرادني سوء فاردده، وإن كادني فكده، إدراء يكفي نحره، وأعوذ بك من شره، ثم بكت حتى ذهبت إحدى عينيها فقيل لها: اتقي اللَّه لا تذهب الأخرى.

فقالت: إن كانت عيني الأخرى من عيون أهل النار فأبعدها اللَّه مني.

الرابعة عشر: عن بعض الصالحين قال: كانت إلى جانبي عجوز قد أتعبتها العبادة، فسألتها أن ترفق بنفسها.

فقالت: يا شيخ أما علمت أن رفقي بنفسي غيَّبني عن باب المولى؟

ومن غاب عنه مشتغلًا، بالدنيا عرض مهجته للمحن والبلوى.

وما قدر علمي إذا اجتهدت، فكيف إذا قصَّرت، ثم قالت: واشوقاه من حسرة السباق، وفجعة الفراق.

فأما الأولي إذا قام القائمون من قبورهم، وركب الأبرار من نجائب الأنوار إلى قصر من العز والجلال.

ورفعت لهم من منازل المحبين، وقدمت بين أيديهم نجائب المقربين، وبقى المسبوق في حلة المحزونين، فعند ذلك ينقطع فؤاده حسرة وتأسفًا، ويذوب ندامة وتلهفًا.

وأما فجعة الفراق فعند تميز الناس والافتراق، وذلك أن اللَّه تعالى إذا جمع الخلق في صعيد واحد أمر ملكًا أن ينادي: أيها المجرمون امتازوا إن المتقين قد فازوا وهو قوله تعالى: ﴿وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (٥٩)(١).


(١) سورة يس (٥٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>