للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فقلت له: على من بكيت بالدمع؟. قال: على تخلفي عن اللَّه. فقلت: على من بكيت بالدم؟، قال: على الدموع أن لا تصلح لي.

فلما توفي رأيته في المنام فقلت: ما فعل اللَّه بك؟ فقال: غفر لي وقربني وقال: يا فتح بكيت هذا البكاء على ماذا؟، فقلت: يا رب على تخلفي من حقك.

قال: والدم لما بكيته؟

قلت: يا رب على الدموع أن لا تصلح لي.

قال: يا فتح فما أردت بهذا كله، وعزتي وجلالي صعد إلي حافظاك أربعين سنة بصحيفتك وما فيها خطيئة.

الحادية عشرة: حكي عن سالم الحداد، وكان من الأبدال، ويتردد إلى فتح الموصلي إنه كان إذا سمع الأذان تغير لونه وأصفر واضطرب، ثم يثب ويترك الحانوت مفتوحًا.

وينشد:

إذا ما دعا داعيكم قمت مسرعًا … مجيبًا لمولى جل ليس له مثل

أُجيب إذا نادى بسمع وطاعته … وبي قوة لبيك يا من له الفضل

يصفر لوني خيفة ومهابة (١) … ويرجع لي عن كل شغل به شغل

وحقكم ما لذَّ لي غير ذكركم … وذكر سواكم في فمي قط ما يحلو

متى تجمع الأيام بيني وبينكم … ويفرح مشتاق إذا اجتمع الشمل

فمن شاهدت عيناه نور جمالكم … يموت اشتياقًا نحوكم قط لا يسلو

الثانية عشرة: عن ذي النون المصري (٢) قال: اجتمعت في جبل لكام بامرأة متعبدة كالشن الجابي كانها تخبر عن أهل المقابر، ذات اجتهاد وعبادة، لم أر مثلها فسألتها: أين وطنك؟. فقالت: مالي وطن إلا النار، أو يغفر الغفار. فقلت: يرحمك اللَّه، هل من وصية أو فائدة، قالت: أجعل كتاب اللَّه لك مائدة، وجالس وعده ووعيده، وشمِّر عن ساق الجد بالعزائم الحميدة.


(١) هابه: هيبًا ومهابة: اجله وعظَّمه، وحذره وخافه فهو هائب، ويقال للمبالغة هَيَّاب.
(٢) دعا أمير مصر وسأله عن اعتقاده فتكلم، فرضى أمره وكتب به إلى المتوكل، فأمره بإحضاره، فحُمل على البريد فلما سمع كلامه ولع به، وأحبه وأكرمه، حتى إنه لو كان إذا ذكر العلماء يقول: إذا ذكر الصالحون فحي هلا بذي النون، وقال علي بن حاتم: سمت ذا النون يقول: القرآن كلام اللَّه غير مخلوق. [تاريخ الإسلام وفيات (٢٤١ - ٢٥٠)].

<<  <  ج: ص:  >  >>