للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال عيسى : ﴿إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾.

فرفع يديه وقال: "اللهم أمتي أمتي" وبكى.

فقال اللَّه ﷿: "يا جبريل اذهب إلى محمد، وربك أعلم فسله ما يُبكيك؟ فأتاه جبريل فسأله، فأخبره رسول اللَّه بما قال، وهو أعلم. فقال اللَّه: يا جبريل، اذهب إلى محمد فقل: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءُك". رواه مسلم (١).

وهو بيان سبب آخر لرجاء الرحمة وهو شفاعة أكرم الخلق على اللَّه، ووعد اللَّه له بإرضائه، وعدم إساءته في أُمته.

الحديث الخامس عشر: حديث معاذ بن جبل (٢) قال: كنت رِدفَ رسول اللَّه على حمار فقال: "يا معاذ هل تدري ما حق اللَّه على العباد وما حق العباد على اللَّه؟ ".

قال: قلت: اللَّه ورسوله أعلم.

قال: "فإن حق اللَّه على العباد أن يعبدوا اللَّه ولا يشركون به شيئًا، وحق (٣) العباد على اللَّه ﷿ أن لا يعذب من لا يُشرك به شيئًا".


(١) هذا الحديث مشتمل على أنواع من الفوائد منها: بيان كمال شفقة النبي على أمته واعتنائه بمصالحهم واهتمامه بأمرهم، ومنها: استحباب رفع اليدين في الدعاء، ومنها: البشارة العظيمة لهذه الأمة زادها اللَّه تعالى شرفًا بما وعدها اللَّه تعالى بقوله: "سنرضيك في أمتك ولا نسوءك" وهذا من أرجى الأحاديث لهذه الأمة أو أرجاها. [النووي في شرح مسلم (٣/ ٦٦) طبعة دار الكتب العلمية].
(٢) أخرجه البخاري في صحيحه (١٢٨) كتاب العلم، ٥ - باب من خص بالعلم قومًا دون قوم كراهية أن لا يفهموا، ورقم (٧٣٧٣) كتاب التوحيد، ١ - باب ما جاء في دعاء النبي أمته إلى توحيد اللَّه ، ومسلم في صحيحه [٤٩ - (٣٠)] كتاب الإيمان، ١٠ - باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعًا.
(٣) قال صاحب التحرير: اعلم أن الحق كل موجود متحقق أو ما سيوجد لا محالة واللَّه هو الحق الموجود الأزلي الباقي الأبدي، والموت والساعة والجنة والنار حق لأنها واقعة لا محالة، وإذا قيل للكلام الصدق حق فمعناه أن الشيء المخبر عنه بذلك الخبر واقع متحقق لا تردد فيه. وكذلك الحق المستحق على العبد من غير أن يكون فيه تردد وتحير، فحق اللَّه تعالى على العباد معناه ما يستحقه عليهم متحتمًا عليهم، وحق العباد على اللَّه تعالى محناه أنه متحقق لا محالة. هذا الكلام صاحب التحرير.
وقال غيره: إنما قال: حقهم على اللَّه تعالى على جهة المقابلة لحقه عليهم، ويجوز أن يكون من نحو قول الرجل لصاحبه حقك واجب عليَّ أي متأكد قيامي به. [النووي في شرح مسلم (١/ ٢٠٤) طبعة دار الكتب العلمية].

<<  <  ج: ص:  >  >>