للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فكان فرطًا وسلفًا.

ولنذكر من الحكايات ما يليق بذلك.

الأولى: أنه لحق بني إسرائيل قحط في عهد موسى ، فاجتمع إليه الناس فقالوا: يا نبي اللَّه ادع لنا ربك أن يسقينا الغيث.

فقام معهم فخرجوا إلى الصحراء وهم سبعون ألفًا أو يزيدون، فقال موسى (١): إلهي اسقنا غيثك، وانشر علينا رحمتك وارحمنا بالأطفال الرضع، والبهائم الرُتع، والشيوخ الرُكع، فما زادت السماء إلا صحوًا، ولا الشمس إلا حرًا. فقال موسى: إلهي إن كان خَلِقَ جاهي عندك فبجاه النبي الأمي الذي تبعثه آخر الزمان. فأوحى اللَّه إليه ما خَلِقَ جاهك عندي، وإنك عندي وجيه. ولكن فيكم عبد يبارزني بالمعاصي منذ أربعين سنة فنادى بالناس حتى يخرج من بين أظهرهم، فبه مُنِعْتُم.

فقال موسى: إلهي وسيدي أنا عبد ضعيف، وصوتي ضعيف، فأين يبلغ وهم سبعون ألفًا ويزيدون فأوحى اللَّه إليه: منك النداء وعلي البلاغ. فقام مناديًا وقال: يا أيها العبد العاصي الذي يبارز اللَّه تعالى منذ أربعين سنة بالمعاصي، أخرج من بين أظهرنا. فبك منعنا المطر.

فقام العبد العاصي ونظر ذات اليمين، وذات الشمال فلم ير أحدًا خرج، فعلم أنه المطلوب. فقال في نفسه: إن أنا خرجت من بين هؤلاء افتضحت على رؤوس بني إسرائيل، وإن أنا قعدت معهم مُنعوا لأجلي.

فأدخل رأسه في ثيابه نادمًا على فعاله (٢) وقال: إلهي وسيدي عصيتك أربعين سنة، وأمهلتني. وقد أتيتك طائعًا، فاقبلني.

فلم يستتم الكلام حتى ارتفعت سحابة بيضاء فأمطرت كأفواه القرب.

فقال موسى : إلهي وسيدي بماذا سقيتنا، وما خرج من بين أظهرنا أحد؟ فقال اللَّه ﷿: يا موسى سقيتكم بالذي منعتكم.

فقال موسى : إلهي أرني هذا العبد الطائع.


(١) رواه البخاري في صحيحه (١٠١٣) عن أنس في دعاء الاستسقاء وفيه رفع رسول اللَّه يديه فقال: "اللهم اسقنا، اللهم اسقنا، اللهم اسقنا". وروى أبو داود في سننه (١١٦٩) عن جابر مرفوعًا: "اللهم اسقنا غيثًا مغيثًا مريئًا نافعًا غير ضار عاجلًا غير آجل".
(٢) قال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ﴾ [الشورى: ٢٥].
وقال تعالى: ﴿قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٥٣)﴾ [الزمر].

<<  <  ج: ص:  >  >>