للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فبينما أنا كذلك، وإذا بفقراء قد أقبلوا ووجوهم كالأقمار ورائحتهم كالمسك، فسلموا عليّ، وسلمت عليهم. وقلت: من أين أقبلتم؟. قالوا: يا سيدي حديثنا عجيب.

فقلت: وما هو. قالوا: نحن من أبناء التجار المتمولين، وكنا عند رابعة في مصر.

فقلت: وما ودَّاكم إليها؟ قالوا: كنا ملتهين بالأكل والشرب في بلدنا، فقيل لنا عن حُسن رابعة وحسن صوتها. فقلنا: لابد أن نروح إليها ونسمع غناها، وننظر إلى حسنها. فخرجنا من بلدنا إلى أن وصلنا إلى بلدها، ووصفوا لنا بيتها وذكروا لنا أنها قد تابت. فقال أحدنا: إن كان فاتنا حسن صوتها وغناها فإنا ننظرها وحُسنها.

فَغَيَّرنا حِلْيَتَنَا ولبسنا لبسة الفقراء، وانتهينا إلى بابها، وطرقنا الباب، فلم نشعر إلا وقد خرجت وتمرغت بين أقدامنا وقالت: لقد سعدت بزيارتكم.

فقلنا: وكيف ذلك؟

قالت: عندنا امرأة عمياء منذ أربعين سنة فلما طرقتم الباب قالت: إلهي وسيدي، بحُرمَة هؤلاء الأقوام الذين طرقوا الباب إلا مارددت عليّ بصري، فرد في الوقت.

قال: فعند ذلك نظر بعضنا إلى بعض. وقلنا: ترون لطف ربكم، ما فضح سريرتنا، فقال الذي أشار علينا بلباس الفقراء: واللَّه لا عدت أقلع هذا اللباس من على، وأنا تائب إلى اللَّه على يد رابعة. فقلنا: لكن نحن وافقناك على المعصية، فوافقنا على الطاعة والتوبة. فتبنا كُلنا على يديها، وخرجنا من أموالنا وصرنا كما ترى.

السادسة: حُكِي أن شابا كان يحضر مجلس بعض علماء السلف وكان الشاب إذا سمع الواعظ يقول: يا ستار يهتز كما تهتز السعفة. فقيل له في ذلك.

فقال: اعلموا أني كنت أُحب أن أخرج في زي النساء، وأحضر كل موضع فيه عرس أو عزاء يجتمع فيه النساء. فحضرت يومًا عرسًا لبنت بعض الملوك.


= عمرو، قال ابن أبي الدنيا بسنده عن عبدة بنت أبي شوال وكانت تخدم رابعة العدوية قالت: كانت رابعة تصلي الليل كله فإذا طلع الفجر، هجعت هجعة حتى يسفر الفجر، فكنت أسمعها تقول: يا نفس كم تنامين، وإلي كم تقومين، يوشك أن تنامي نومة لا تقومي منها إلا ليوم النشور، وتوفيت رابعة سنة (١٨٠). [تاريخ الإسلام وفيات (١٧١ - ١٨٠)].

<<  <  ج: ص:  >  >>