للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال: هذه ليست إليَّ.

فلما كان الليل رأى في المنام كأن قائلًا يقول له فعلت ما كان إليك افتراني لا أفعل ما كان إليّ؟ قد غفرت لك وللغلام ولمنصور بن عمار (١)، وللقوم الحاضرين.

الرابعة: قال مالك بن دينار: رأيت بالبصرة قومًا يحملون جنازة وليس معهم مشيع فسألت عنه، فقالوا: هذا رجل من كبار المذنبين العُصاة المسرفين.

قال: فصليت عليه وأنزلته في قبره، ثم انصرفت إلى الظل، فنمت. فرأيت ملكين قد نزلا من السماء فشقا القبر، ونزل أحدهما إليه وقال لصاحبه: اكتبه من أهل النار، فما فيه جارحة سَلِمَت من المعاصي والأوزار.

فقال له صاحبه: يا أخي لا تعجل، اختبر عينيه. فقال: قد اختبرتهما فوجدتهما مملوءتين بالنظر إلى محارم اللَّه.

قال: اختبر سمعه. قال: قد اختبرته فوجدته مملوءًا بسماع الفواحش والمنكرات.

قال: فاختبر لسانه.

قال: اختبرته فوجدته مملوءتين بالخوض في المحظورات وارتكاب المحرمات.

قال: فاختبر يديه. قال: قد اختبرتهما فوجدتهما مملوءتين بتناول الحرام وما لا يحل من اللذَّات والشهوات.

قال: فاختبر رجليه.

قال: قد اختبرتها فوجدتهما مملوءتين بالسعي في المذمومات.

قال يا أخي لا تعجل عليه، دعني أنزل إليه فنزل إليه الملك الثاني.

فأقام عنده ساعة وقال لصاحبه: يا أخي قد اختبرت قلبه فوجدته مملوءًا إيمانًا، فاكتبه مرحومًا سعيدًا ففضل المولى سبحانه يستغرق ما عليه من الذنوب والخطايا.

لما رأوه مبعدًا عن طاعتي … حكموا بأني لا أجود برحمتي

حكمي أجل وإن يضيق عن الورى … من ذا يجد أوامري ومشيئتي

الخامسة: عن بعض الصالحين قال: خطر لي أن أزور رابعة العدوية (٢) وأنظر صدقها في دعاويها.


(١) منصور بن عمار بن كثير، أبو السري السلمي الخراساني ويقال إنه بصري كان زاهدًا، واعظًا، كبير الشأن، وكان إليه المنتهى في بلاغة الموعظة وتحريك القلوب إلى اللَّه. [تاريخ الإسلام وفيات (١٩١ - ٢٠٠)].
(٢) رابعة العدوية العابدة البصرية المشهورة بالتأله والزهد، وهي رابعة بنت إسماعيل كنيتها أم =

<<  <  ج: ص:  >  >>