للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقلت: ألم تعلم أن في جهنم واديًا يقال: ﴿كَلَّا إِنَّهَا لَظَى (١٥) نَزَّاعَةً لِلشَّوَى (١٦) تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى (١٧) وَجَمَعَ فَأَوْعَى (١٨)(١)؟

فشهق شهقة، فخر مغشيًا عليه.

فلما أفاق قال: زدني، قلت: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (٦)﴾. (٢)

قال: فخر ميتًا فكشفت عن ثيابه، فإذا على صدره مكتوب: ﴿فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (٢١) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (٢٢) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (٢٣)(٣) قال: فلما كان الليلة الثالثة رأيته في المنام جالسًا على سرير وعلى رأسه تاج، فقلت له: ما فعل اللَّه بك؟ قال: غفر لي وأعطاني ثواب أهل بدر، وزادني.

فقلت له: لم؟ قال: لأنهم قتلوا بسيف الكفار، وأنا قتلت بكلام الجبار.

الثالثة: قال المزني (٤): دخلت على الشافعي في علته التي مات فيها فقلت له: كيف أصبحت؟

قال: أصبحت من الدنيا راحلًا ولإخواني مفارقًا ولكأس المنية شاربًا، ولسوء أعمالي ملاقيًا وإلى اللَّه الكريم واردًا، فلا أدري أروحي تصير إلى الجنة فأهنئها أو إلى النار فأعزيها.

ثم بكى وأنشد:

ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي … جعلت الرجاء مني لعفوك سُلَّما

تعاظمني ذنبي فلما قرنته … بعفوك كان عفوك أعظما

وما زلت ذا عفو عن الذنب لم تزل … تجود وتعفو منة وتكرمًا

الرابعة: عن سعيد بن ثعلبة. رحمه اللَّه تعالى. قال: بتنا ليلة مع رجل من العباد على الساحل بسيراف فأخذ في البكاء، فلم يزل يبكي حتى خفنا طلوع الفجر ولم يتكلم بشيء، ثم قال: يا مولاي جرمي عظيم، وعفوك كثير، فاجمع بين جرمي


(١) سورة المعارج (١٥ - ١٨).
(٢) سورة التحريم (٦).
(٣) سورة الحاقة (٢١ - ٢٣).
(٤) هو أبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل بن عمرو بن مسلم، الفقيه، المزني المصري صاحب الشافعي كان زاهدًا عالمًا مجتهدًا مناظرًا محجاجًا غوَّاصًا على المعاني الدقيقة صنف كتبًا كثيرة، توفي سنة (٢٦٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>