للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رؤوس الأشجار، ويشرب من الماء القراح أو قال من الأنهار، إذا جنه الليل أوى إلى كهف من الكهوف، واستئناسا بي واستيحاشا ممن عصاني، يا موسى إني آليت على نفسي أني لا أتُم لمدَّع عملا، ولأقطعنَّ أمل من أمل غيري، ولأقصمنَّ ظهر من استند إلى سواي، ولأطيلنَّ وحشة من آنس بغيري، ولأعرضنَّ عمن أحب حبيبًا سواي.

يا موسى إن لي عبادا إن ناجوني أصغيت إليهم وإن نادوني أقبلت عليهم، وإن أقبلوا على دانيتهم، وإن دنوا مني قربتهم، وإن تقربوا أكنفتهم، وإن والوني واليتهم وإن صافوني صافيتهم، وإن عملوا لي جزيتهم، أنا مدبر أمورهم وسائس قلوبهم ومتولى أحوالهم لم أجعل لقلوبهم رأفة إلا في ذكرى، فهو لاشفائهم شفاء وعلى قلوبهم ضياء. لا يستأنسون إلا بي، ولا يحطون رحال قلوبهم إلا عندي، ولا يستقر قرار الإيواء إلا إلي.

الثانية: عن الواسطى قال: بينما أنا أسير في البادية إذا بأعرابي جالس منفرد، فدنوت منه وسلمت عليه، فرد علي السلام.

فأردت أن أكلمه فقال: اشتغل بذكر اللَّه، فإن ذكره شفاء القلوب.

ثم قال: كيف يفتر ابن آدم من ذكره وخدمته والموت في أثره واللَّه ناظر إليه. ثم بكي وبكيت معه.

فقلت له: ما لي أراك وحيدًا؟

قال: ما أنا بوحيد، واللَّه معي، وما أنا بفريد وهو أنيس.

ثم قام ومضى عني مسرعًا، وقال: سيدي أكثر خلقك مشغول عنك بغيرك، وأنت عوض عن جميع ما فات.

يا صاحب كل غريب ويا مؤنس كل وحيد، ويا مؤوى كل طريد.

وجعل يمشي وأنا أتبعه، ثم أقبل إلي وقال: ارجع عافاك اللَّه إلى من هو خير لك مني، ولا تشغلني عمن هو خير لى منك، ثم غاب عن بصري.

فائدة:- عن أبي تراب (١) من شغل مشغولا باللَّه عن اللَّه أدركه المقت (٢) في الوقت أو كما قال.

الثالثة: عن عبد الواحد بن زيد قال: مررت براهب فسألته منذ كم أنت في هذا المكان؟


(١) أبو تراب النخشبى تأتى ترجمته.
(٢) مَقَتَ فلانا مقتًا، أبغضه أشد البغض.

<<  <  ج: ص:  >  >>