للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: منذ أربع وعشرين سنة.

قلت: من أنيسك؟

قال: الفرد الصمد.

قلت: ومن المخلوقين؟

قال: الوحش.

قلت: فما طعامك؟

قال: ذكر اللَّه.

قلت: ومن المأكولات؟

قال: ثمار هذه الأشجار، ونبات الأرض.

قلت: أفلا تشتاق إلى حبيب قلوب العارفين؟

قال: نعم.

قلت: ومن المخلوقين؟

قال: من كان شوقه إلى اللَّه، كيف يشتاق إلى غيره.

قلوب العارفين تحن شوقا … تحل بقربه في كل راح

صفت في ودِّ مولاها فليست … لها عن ودِّ مولاها براح

الرابعة: عن ذي النون قال: بينما أنا أسير في بعض جبال بيت المقدس إذ سمعت صوتا وهو يقول: ذهبت الآلام عن أبدان الخدام، وولهت (١) بالطاعة عن الشراب والطعام وألفت أبدانهم طول القيام بين يدي الملك العلام.

فتبعت الصوت.

فإذا شاب أمرد قد علا وجهه اصفرار يميل ميل الغصن إذا ميلته الريح.

عليه شملة قد اتزر بها، وأخرى قد اتشح بها فلما رآني توارى عني بالشجر.

فقلت له: أيُّها الغلام ليس الجفاء من أخلاق المؤمنين فكلمني وأوصني.

فخرَّ ساجدًا وجعل يقول: هذا مقام من لاذ بك، واستجار بمعرفتك، وألف محبتك.

يا إله القلوب وما تحويه من جلال عظمتك، احجبني عن القاطعين لي عنك.

ثم غاب عنِّي فلم أره.


(١) وَلِهَ فلان - يَله ولها: اشتد حزنه حتى ذهب عقله، وتحير من شدة الوجد.

<<  <  ج: ص:  >  >>