للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فوقف علي شاب حسن الشباب، فاخر الثياب ومعه أصحابه.

فسمعني أقول في وعظي: عجبا لضعيف كيف يعصي قويا، فتغير لونه وانصرف.

فلما كان من الغد جلست في مجلس، وإذا به قد أقبل فسلم وصلى ركعتين وقال: يا سري سمعتك بالأمس تقول: عجبا لضعيف كيف يعصي قويا، فما معناه.

فقلت: لا أقوى من اللَّه، ولا أضعف من العبد وهو يعصيه، فنهض فخرج.

ثم أقبل من الغد وعليه ثوبان أبيضان، وليس معه أحد فقال: يا سري كيف الطريق إلى اللَّه؟

فقلت له: إن أردت العبادة فعليك بصيام النهار وقيام الليل.

وإن أردت اللَّه، فاترك كل شيء سواه تصل إليه وليس إلا المساجد والخراب والمقابر.

فقام وهو يقول: واللَّه لا سلكت إلا أصعب الطريق، وولى خارجا.

فلما كان بعد أيام أتى إلى غلمان كثيرة فقالوا: ما فعل أحمد بن يزيد الكاتب؟

فقلت: لا أعرف إلا رجلا جاءني من صفته كذا وكذا، ولا أعلم حاله.

فقالوا: باللَّه عليك متى عرفت حاله أخبرنا ودلنا على داره.

فبقيت سنه لا أعرف له خبرًا.

فبينما أنا ذات ليلة بعد العشاء الآخرة جالس في بيتي، وإذا بطارق يطرق الباب، فأذنت له بالدخول، فإذا أنا بالفتى عليه قطعة من كساء في وسطه، وأخرى على عاتقه، ومعه زنبيل فيه نوى.

فقبل بين عيني وقال: يا سري أعتقك اللَّه من النار كما أعتقتني من رق الدنيا.

فأومأت إلى صاحبي أن امض إلى أهله فأخبرهم فمضى فإذا زوجته جاءت ومعها ولده وغلمانه فدخلت، وألقت الولد في حجره، وعليه حُلي وحلل وقالت له.: يا سيدي أرملتني وأنت حي وأيتمت ولدك وأنت حي.

قال سري: فنظر إلي، وقال: يا سري: ما هذا وفاء، ثم أقبل عليها وقال: واللَّه إنَّك لثمرة فؤادي وحبيبة قلبي، وأن هذا ولدي لأعز الخلق عليَّ، غير أن هذا سري أخبرني أن من أراد اللَّه قطع كل ما سواه.


= معروفًا الكرخى وحدث عن الفضيل بن عياض وهشيم وأبي بكر بن عياش وغيرهم، وعنه الجنيد، وأبو الحسن النوري وأبو العباس بن مسروق وغيرهم، توفي سنة (٢٥٣) تاريخ الإسلام وفيات (٢٥١ - ٢٦٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>