للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الحافي (١)، فحمَّ وقال: واسوأتاه، كيف ينظر إليَّ بعد اليوم، فحمّ من يومه ومات يوم سابعه.

وعن عبد الواحد بن زيد قال: سألت اللَّه ثلاث ليال أن يريني رفيقي في الجنة، فقيل له: رفيقتك فيها ميمونة السوداء، قلت: وأين هي؟ فقيل لي: في بني فلان بالكوفة، فخرجت إليها وسألت عنها، فقالوا: هي مجنونة ترعى غنيمات، فقلت: أريد أن أراها، قالوا: اخرج إلى الجبال، فخرجت، فإذا هي قائمة تصلي، فإذا بين يديها عكاز، وعليها جبة صوف مكتوب عليها: لا تباع ولا تشترى، وإذا الغنم مع الذئاب، فلا الذئاب تأكل الغنم، ولا الغنم تخاف الذئاب، فلما رأتني أوجزت في صلاتها، ثم قالت: ارجع يا ابن زيد، ليس الموعد هاهنا، إنما الموعد ثَمَّ، فقلت لها: من أعلمك بي؟!! فقالت: أما علمت أن "الأرواح جنود مجندة" (٢) الحديث.

فقلت لها: عظيني، فقالت: واعجبًا لواعظ يوعَظ، إنه بلغني أنه ما من عبد أعطى من الدنيا شيئًا فابتغى إليه ثانيًا إلا سلبه اللَّه حُب الخلوة معه، وأبدله بعد القرب بعدًا، وبعد الأنس وحشة، ثم أنشأت تقول:

يا واعظا قام لاحتساب … يرجو توبا من الذنوب

تنهى وأنت السقيم حقًا … هذا من المنكر العجيب

لو كنت أصلحت قبل هذا … عيبك أو تبت من قريب

كان لما قلت يا حبيبي … موقع صدق من القلوب

تنهى عن الغي والتمادي … وأنت في النهي كالمريب

فقلت لها: إني أرى هذه الذئاب مع الغنم متفقة، فأي شيء هذا؟ قالت: إني أصلحت ما بيني وبينه فأصلحهم.


(١) بشر بن الحارث بن عبد الرحمن بن عطاء، أبو نصر المروزي البغدادي الزاهد الكبير المعروف ببشر الحافي، كان عديم النظير، زهدًا وورعًا وصلاحًا، كثير الحديث، إلا أنه كان يكره الرواية ويخاف من شهوة النفس في ذلك، حتى إنه دفن كتبه، وقال أبو بكر المروزي: سمعت بشرًا يقول: الجوع يصفي الفؤاد ويميت الهوى ويورث العلم الدقيق. تاريخ الإسلام، وفيات [٢٢١ - ٢٣٠].
(٢) أخرجه البخاري في صحيحه [٤/ ١٦٢]، ومسلم في صحيحه [١٥٩، ١٦٠] في البر والصلة، وأبو داود في سننه [٤٨٣٤]، وأحمد في مسنده [٢/ ٢٩٥، ٥٢٧]، والطبراني في المعجم الكبير [٦/ ٣٢٣]، وأبو نعيم في حلية الأولياء [١/ ١٩٨، ٤/ ١٦٧] والخطيب في تاريخ بغداد [٢/ ٣٢٩، ٤/ ٣٥١]، والبخاري في الأدب المفرد [٩٠٠]، والتبريزي في مشكاة المصابيح [٥٠٠٣، ٥٠٠٤]، والزبيدي في الإتحاف [١/ ٧٤، ٦/ ١٨١].

<<  <  ج: ص:  >  >>