للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عبيد لمولاهم تعالى وغرهم … عبيد الهوى بين الفريقين كالثرى

وعلو الثرايا في ارتفاع مقامهم … بهم يرفع اللَّه البلايا عن الورى

وعن بعضهم قال: كنت في جبل (لكام) (١) أطلب الزهاد والعباد، فرأيت رجلا عليه مرقعة جالسًا على حجر مطرفًا إلى الأرض، فقلت له: يا شيخ، ما تصنع هاهنا؟ قال: أنظر وأرعى، فقلت له: ما أرى بين يديك إلا الحجارة، فتغير لونه، ثم نظر إليّ مغضبًا وفال: أنظر خواطر قلبي، وأرعى أوامر ربي، فبحق الذي أظهرك عليّ إلا رحت عني، فقلت له: كلمني بشيء أنتفع به حتى أمضي، فقال: من لزم الباب أثبت من الخدم، ومن أكثر الذنوب أعقبه الندم، ومن استعنى باللَّه أمن من العدم، ثم تركني ومضى.

وعن بعضهم قال: خرجت في بعض حوائجي، فبينما أنا في فلاة من الأرض، إذا برجل يدور بشجرة شوك، ويأكل من رطبها، فسلمت عليه، فقال: وعليكم السلام، تقدم وكل، فنزلت عن ناقتي، وتقدمت إلى الشجرة، فكلما أخذت منها رطبًا عاد شوكا، فتبسم الرجل وقال: هيهات، لو أطعت اللَّه في الخلوات، أطعمك الرطب في الفلوات.

وعن إبراهيم بن أدهم (٢) قال: أتيت بعض البلاد فنزلت في مسجد، فلما كان العشاء الآخرة وصلينا، أتى إمام المسجد بعد انصراف الناس وقال: قم فاخرج حتى أغلق الباب، فقلت: أنا رجل غريب ههنا، وذكر حكاية الزبال بطولها - وقد ذكرت في طبقات الصوفية فراجعها.

وحكي أن رجلا تعلق بامرأة ببغداد، فأبت تمكينه وكل من جاء ليخلصها منه طعنه بسكين، وكان شديدًا، فمر عليه بشر (٣) ودنا منه، وحك كتفه بكتفه، فوقع على الأرض وهدأت المرأة، ومضى بشر، فدنا الناس من الرجل، فإذا هو يرشح عرقًا كثيرًا، فسألوه عن حاله، فقال: حكَّ كتفي شيخ، وقال: إن اللَّه ناظر إليك، وإلى عملك وما تعمل، فأصغيت لقوله وهبته، ولا أدري من هو، فقيل: إنه بشر


(١) كذا بالأصل.
(٢) قال ابن مسنده بسنده عن يونس بن سليمان البلخي: كان إبراهيم بن أدهم من الأشراف وكان أبوه شريفا كثير المال والخدم والجنائب والبزاة، بينما إبراهيم يأخذ كلابه وبزاته للصيد وهو على فرسه يركضه، إذا هو بصوت من فوقه: يا إبراهيم ما هذا العبث ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا﴾ [المؤمنون: ١١٥] اتق اللَّه وعليك بالزاد ليوم الفاقة، قال: فنزل عن دابته، ورفض الدنيا.
تاريخ الإسلام، وفيات [١٦١ - ١٧٠].
(٣) بشر هو الحافي، يأتي الكلام عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>