للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأما الشحام والرقام والنوري (١) فقبض عليهم وبسط النطع لتُضرب أعناقهم.

فتقدم النوري (٢) فقال له السياف أتدري إلى ما تبادر.

فقال: نعم.

قال: وما يعجلك؟

قال: أُوثر أصحابي بحياة ساعة.

فتحير السياف، وأنهى الأمر إلى الخليفة.

فتحيَّر الخليفة ومن عنده في ذلك، وكان عنده القاضي.

فاستأذن الخليفة أن يذهب إليهم ليبحث معهم ويختبر حالهم.

فأذن له، فآتاهم وقال: يخرج إليَّ واحد منكم حتى أبحث معه.

فخرج إليه النوري، فألقى عليه القاضي مسائل فقهية، فالتفت يمنة ويسرة، ثم أطرق ساعة ثم أجابه عن الكل (٣).

ثم جعل يقول: إن للَّه عبادًا إذا قاموا، قاموا باللَّه، وإذا نطقوا نطقوا باللَّه،


(١) هو أبو الحسين أحمد بن محمد النوري الزاهد شيخ الصوفية، كان من أعلم العراقيين بلطائف القوم، صحب السري السقطي وغيره، وكان أبو القاسم الجنيد يعظمه ويحترمه وأصله خراساني بغوي، توفي سنة (٢٩٥)، حكى ابن الأعرابي محنته وغيبته في أيام محنة غلام خليل، وأنه أقام بالكوفة مرة سنين متخليا عن الناس، ثم عاد إلى بغداد وقد فقد أناسه وجلاسه وأشكاله فانقبض عن الكلام لضعف قوته، وضعف بصره. انظر تاريخ الإسلام وفيات (٢٩١ - ٣٠٠).
(٢) كان النوري من أقران الجنيد وكان يقول: أعز الأشياء في زماننا هذا شيئان عالم يعمل بعلمه وعارف ينطق عن حقيقة وكان يقول الجمع بالحق تفرقه عن غيره والتفرقة عن غيره جمع به وكان يقول: ليس التصوف رسومًا ولا علومًا، وإنما هو أخلاق، وكان يقول: من لم يعرف اللَّه تعالى في الدنيا لم يعرفه في الآخرة وكان يقول منذ عرفت ربى ما اشتهيت شيئا ولا استحسنت شيئا وكان يقول من رأيته يركن إلى غير أبناء جنسه ويخالطهم فلا تقربن منه، ومن رأيته يسمع القصائد ويميل إلى الرفاهية فلا ترج خيره ومن رأيته من الفقراء غافل القلب عند السماع فاتهمه. الطبقات الكبرى (١/ ٧٤، ٧٥).
(٣) قال أبو نعيم: سمعت عمر البنا بمكة لما كانت محنه غلام خليل ونسبوا الصوفية إلى الزندقة أمر الخليفة بالقبض عليهم، فأخذ في جملتهم النوري إلى السياف ليضرب عنقه فقيل له في ذلك فقال: آثرت حياتهم على نفسي في هذه اللحظة، فتوقف السياف فرد الخليفة أمرهم إلى قاضي القضاة إسماعيل بن إسحاق فسأله القاضي عن مسائل في العبادات فأجابه النوري، ثم قال له: وبعد هذا فلله عباد يسمعون باللَّه وينطقون باللَّه، ويأكلون باللَّه، فبكى القاضي ودخل على الخليفة وقال إن كان هؤلاء زنادقة فليس في الأرض موحد، فأطلقهم. تاريخ الإسلام الذهبي وفيات (٢٩١ - ٣٠٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>