واستجبتَ لوساوسه، فقد أصبحت فريسة سهلة بين أنيابه ومخالبه.
وعادةً تأتي خواطر الشيطان وكأنها مِجَسٌّ للمؤمن واختبار لانتباهه وحَذَّره من هذا العدو، فينزغه الشيطان مرَّة بعد أخرى لِيُجرّبه ويختبره. فإذا كان النزغ هكذا، فأنت حين تجادل بالتي هي أحسن لا تعطي للشيطان فُرْصة لأنْ يُؤجِّج العداوة الشخصية بينكما، فيُزيّن لك شَتْمه أو لَعْنه، وهكذا يتحول الخلاف في المبدأ العام إلى عداوة ذاتية شخصية.
لذلك إذا رأيتَ شخصين يتنازعان لا صِلَة لك بهما، ولكن ضايقك هذا النزاع، فما عليك إلا أنْ تقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ثلاثاً، وأتحدّى أن يستمر النزاع بعدها، إنها الماء البارد الذي يُطفئ نار الغضب، ويطرد الشيطان فتهدأ النفوس، وما أشبهك في هذا الموقف برجل الإطفاء الذي يسارع إلى إخماد الحريق، وخصوصاً إذا قلت هذه العبارة بنية صادقة في الإصلاح، وليس لك مأرَبٌ من هذا التدخّل.
تلاحظ أن نَزْغ الشيطان لا يقتصر على المتخاصمين والمتجادلين حول مبدأ ديني عقدي، بل ينزغ بين الإخوة والأهل والأحبة، ألم يَقُل يوسف:{مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشيطان بَيْنِي وَبَيْنَ إخوتي}[يوسف: ١٠٠]
لقد دخل الشيطان بين أولاد النبوة، وزرع الخلاف حتى بين الأسباط وفيهم رائحة النبوة، ولذلك لم يتصاعد فيهم الشر، وهذا دليل على خَيْريتهم، وأنت تستطيع أنْ تُميِّّز بين الخيِّر والشرير، فتجد الخيِّر يهدد بلسانه بأعنف الأشياء، ثم يتضاءل إلى أهون