فلا بُدَّ أن قوله تعالى:{إِنَّمَآ إلهكم الله}[طه: ٩٨] جاء رداً على كلام قيل يدَّعي أن هناك إلهاً آخر، وإنما لا تُقال إلا إذا ادُّعِيَ أمر يخالف ما بعدها، فتنفي الأمر الأول، وتُثبت ما بعدها.
وهنا يقول:{إِنَّمَآ إلهكم الله}[طه: ٩٨] لأن السامريَّ لما صنع لهم العجل قال: {هاذآ إلهكم وإله موسى}[طه: ٨٨] فكذَّبه الله واستدرك بالحقِّ على الباطل: {إِنَّمَآ إلهكم الله الذي لا إله إِلاَّ هُوَ}[طه: ٩٨] .
ثم أضاف الحق تبارك وتعالى ما يُفرِّق بين إله الحق وإله الباطل، فقال:{وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً}[طه: ٩٨] لأنه سبحانه هو الإله الحق، وهذه أيضاً رَدٌّ على السامريّ وما اتخذه إلهاً من دون الله، فالعجل الذي اتخذه لا عِلمَ عنده، وكذلك السامري الذي أمر الناس بعبادته، فلو كان عنده علم لعرفَ أن عِجْله سيُحرق ويُنسَف وتذروه الرياح، ولعرفَ العاقبة التي انتهى إليها من قوله للقوم (لا مساس) ، وأنه سينزل به عذاب الدنيا قبل عذاب الآخرة، فلو علم هذه الحقائق ما أقدمَ على هذه المسألة.
ووسع علم الله لكل شيء يعني: مَنْ أطاع ومَنْ عصى، لكن من رحمته تعالى بنا ألاَّ يحاسبنا عَمَّا علم منّا، بل يعلمنا حين ندعوه أن نقول:{رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً}[غافر: ٧] فسبقتْ رحمته تعالى سيئاتنا وذنوبنا، وسبقت عذابه ونقمته، وفي موضع آخر يقول عَزَّ وَجَلَّ:{وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ}[الأعراف: ١٥٦] .
فلو وقفنا عند {وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً}[طه: ٩٨] لأتعبتْنا هذه المسألة؛ لأنه سيجازينا عن السيئة وعن الحسنة، ومَنْ يطيق هذا؟