وتعالى. إن هذه القضية إنما تثبت اليوم الآخر، لأن الإيمان باليوم الآخر هو الميزان العقدي فإن استقر في القلب فالإنسان بكل جوارحه يتجه إلى الأفعال التي تسير على ضوء منهج الله لينال الإنسان الجزاء الأوفى.
إن الإنسان حينما يفهم أن هناك حسابا وهناك جزاءً، وهناك بعثا، فهو يعرف أنه لم ينطلق في هذا العالم، ولم يفلت من الإله الواحد القهار، إن للإنسان عودة، فالذي يغتر بما آتاه الله نقول له: لا، إنك لن تفلت من يد الله، بل لك عودة بالموت وعودة بالبعث. وإذا ما استقرت في أذهان المسلمين تلك العودة، فكل إنسان يقيم حسابه على هذه العودة.
وبعد أن استقر الأمر في شأن الحياة والموت أراد الحق سبحانه وتعالى أن يجيء بشيء هو ثمرة الحياة في الكائن الحي وأول مظهر من مظاهر الحياة هو الحس والحركة. والحركة في الوجود أرادها الله للإنسان؛ لأنه وهو الحق قد أراد الإنسان للخلافة في الأرض. والخلافة في الأرض تقتضي أن يعمر الإنسان الأرض، كما قال الله سبحانه وتعالى:{اعبدوا الله مَا لَكُمْ مِّنْ إله غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُمْ مِّنَ الأرض واستعمركم فِيهَا}[هود: ٦١]
إن خلافة الإنسان في الأرض تقتضي أن يتحرك ويعمر الأرض. وحين يريد الله منا أن نتحرك ونعمر الأرض فلا بد من أعمال تنظم هذه الحركة، ولا بد من فنون متعددة تقوم على العمارة. ويوزع الله الطاقات الفاعلة لهذه الفنون المتعددة ويجعلها مواهب مفكرة ومخططة في البشر. إن الحق سبحانه لم يجعل من إنسان واحد مجمع مواهب، بل نثر الله المواهب على الخلق، وكل واحد أخذ موهبة ما.
لماذا؟ لأن الله قد أراد أن يتكامل العالم ولا يتكرر؛ فالتكامل يوحي بالاندماج فإذا كنت أنت تعرف شيئاً خاضعا لموهبتك، وأنا لا أعرفه فأنا مضطر أن ألتحم بك، وأنا أيضا قد أعرف شيئا وأنت لا تعرفه، لذلك تضطر أنت أن تلتحم بي.
وهذا اللون من الالتحام ليس التحام تفضل، إنما هو التحام تعايش ضروري.