للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهذه الآية: {وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً ... } [آل عمران: ٩٧] جملة خبرية غرضها الأمر والحثّ، كأنه تعالى قال: أمِّنوا من دخل الحرم. وهذه ليست قضية كونية، إنما قضية شرعية، وفرْق بين القضيتين: الكونية لا بُدَّ أن تحدث، أما الشرعية فأمر ينفذه البعض، ويخرج عليه البعض، فمَنْ أطاع الأمر الشرعي لله وأراد أنْ يجعل أمر الله صادقاً يُؤمِّن أهل الحرم، ومَنْ أراد أنْ يكذِّب ربه يهيج الناس ويروعهم فيه.

ومن الآيات التي كثيراً ما يُسأل عنها في هذا الصدد قوله تعالى: {الخبيثات لِلْخَبِيثِينَ والخبيثون لِلْخَبِيثَاتِ والطيبات لِلطَّيِّبِينَ والطيبون لِلْطَّيِّبَاتِ ... } [النور: ٢٦] يقولون: كثيراً ما يتزوج خبيث من طيبة، أو طيبة من خبيث، فالواقع لا يتفق مع الآية. نقول أيضاً هنا: هذه قضية شرعية تحمل أمراً قد يُطاع وقد يُعْصَى، وليست قضية كونية لا بُدَّ أنْ تأتي كما أخبر الله تعالى بها، ولا يتخلّف مدلولها.

فالمعنى في الآية: إن زوجتُم فزوِّجوا الخبيث للخبيثة، والطيب للطيبة؛ ليتحقق التكافؤ بين الزوجين ويحدث بينهما الوفاق، حتى إنْ عيَّر الخبيث زوجته كانت مثله تستطيع أنْ تردّ عليه، لا بُدَّ من وجود التكافؤ حتى في (القباحة) ، وإلا فكيف تفعل الطيبة مع الخبيث، أو الخبيث مع الطيبة؟

إذن: فالآية وأمثالها قضية شرعية في صيغة الخبر، وإنْ كانت تعني الأمر، كما تقول عن الميت: رَحِمَهُ اللَّهُ بصيغة الماضي، وأنت لا تدري رَحِمَهُ اللَّهُ، أو لم يرحمه، إذن: لا بُدَّ أن المعنى دعاء: فلي رَحِمَهُ اللَّهُ، قلتها أنت بصيغة الماضي، رجاء أن تكون له الرحمة.

نعود إلى قوله تعالى: {أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً آمِناً ... } [القصص: ٥٧]

<<  <  ج: ص:  >  >>