كما لو أنكَ استخدمت أجيراً بمائة جنيه مثلاً في الشهر، وقبل أن يعمل لك شيئاً أعطيته أجره فهل يطلب منك أجراً آخر؟ فلو جئتَ في آخر الشهر وأعطيته عشرة جنيهات، فهي فَضْل منك وتكرُّم.
لذلك قال {وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأرض مُفْسِدِينَ}[العنكبوت: ٣٦] لأن الجزاء في الآخرة عند التحقيق والتعقُّل محض فَضلْ من الله؛ لذلك يقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ:«لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمَّدني الله برحمته» .
والنهي في:{وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأرض مُفْسِدِينَ}[العنكبوت: ٣٦] أي: لا تفسدوا فساداً ظاهراً، أو: لا تعملوا أعمالاً هي في ظنكم نافعة وهي ضارة، تذكرون زمان كان القطن هو المحصول الرئيسي في مصر ومصدر الدَّخلْ، وكانت تهدده دودة القطن فنقاومه مقاومة يدوية، إلى أنْ خرج علينا الأمريكان بالمبيدات، واستخدمنا مادة اسمها (دي دي تي) فقضتْ على الدودة في بادئ الأمر، وظنَّ الفلاح أن هذه المشكلة قد حُلّت.
لكن بعد سنوات تعودتْ الدودة على هذه المادة، وأصبح عندها حصانة، وكأن (الدي دي تي) أصبح (كيفاً) عندها، وبدأنا نحن نعاني الأمرَّين من آثار هذه المبيدات في الماء، وفي التربة، وفي الزراعة، وفي صحة الإنسان والحيوان. إذن: ينبغي النظر في العواقب قبل البدء في الشيء، وأنْ يُقاسَ الضرر والنفع.
كذلك الحال عندما اخترعوا السيارات، وقالوا: إنها ستريح الناس