للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هشام لك لم يَرْضَ أنْ تحملها أنت خوفاً عليك من قُطاع الطريق، أو تحمل مؤونة حَمْلها، فأرسلنا بها إليك.

فقال عروة: جزى الله أمير المؤمنين خيراً، قولوا له لقد ذكرت البيت الأول، ولو ذكرت الثاني لأرحتَ واسترحتَ، لقد قلت:

لَقد عَلمْتِ ومَا الإِسْرافُ مِنْ خُلُقي ... أنَّ الذي هُو رِزْقي سوفَ يَأْتِيني

أَسْعى إِليْهِ فَيْعْييني تطلبّه ... ولَوْ قَعَدْتُ أتَاني لا يُعنِّينَي

ثم يقول سبحانه بعد هذا المثل: {كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيات لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [الروم: ٢٨] أي: نُبيِّنها إلا إليها، ومعنى {يَعْقِلُونَ} [الروم: ٢٨] من العقل، وسُمِّي عقلاً؛ لأنه يعقل صاحبه ويقيده عما لا يليق.

والبعض يظن أن العقل إنما جُعل لترتع به في خواطرك، إنما هو جاء ليقيد هذه الخواطر، ويضبط السلوك، يقول لك: اعقل خواطرك وادرسها لا تنطلق فيها على هواك تفعل ما تحب، بل تفعل ما يصح وتقول ما ينبغي. إذن: ما قصَّرنا في البيان ولا في التوضيح.

ويتجلَّى دور العقل المجرد وموافقته حتى للوحي في سيرة الفاروق عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، وفي وجود رسول الله، وهو ينزل عليه الوحي يأتي عمر ويشير على رسول الله بأمور، فينزل الوحي موافقاً لرأي عمر، وكأن الحق - تبارك وتعالى - يلفت أنظارنا إلى أن العقل الفطري إذا فكَّر في أمر بعيداً عن الهوى لا بُدَّ أنْ يصل إلى الصواب

<<  <  ج: ص:  >  >>