فهذه فترات ثلاث للبثهم في القبور، أطولها للذين ماتوا منذ آدم عليه السلام، ثم أوسطهم الذين جاءوا بعد ذلك أمثالنا، ثم أقلّهم لُبْثاً وهم الذين يموتون بين النفختين، وفي كل هذه الفترات يوجد كفار، وعلى عهد آدم كان هناك كفار، وعلى مَرِّ العصور بعده يُوجَد كفار، حتى بين النفختين يوجد كفار، إذن: فكلمة لبثوا هنا على عمومها: أطول، وطويل، وقصيرة، وأقصر.
وهؤلاء يقولون يوم القيامة «ما لبثنا غير ساعة» مع أن الآخرة لا كذب فيها، لكنهم يقولون ذلك على حسب ظنهم؛ لأن الغائب عن الزمن لا يدري به، والزمن ظرف لوقت الأحداث، كما أن المكان ظرف لمكانها، فالنائم مثلاً لا يشعر بالزمن؛ لأن الزمن يُحسب بتوالي الأحداث فيه، فإذا كنتَ لا تشعر بالحدث فبالتالي لا تشعر بالوقت، سواء أكان بنوم كأهل الكهف، أو بموت كالذي أماته الله مائة عام ثم بعثه.
ولما قاموا من النوم أو الموت لم يُوقِّتوا إلا على عادة الناس في النوم، فقالوا:{لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ... }[الكهف: ١٩] ؛ لأنه في هذه الحالة لا يدري بالزمن، إنما يدري بالزمن الذي يتتبع الأحداث، وما دام الإنسان في هذه الحالة لا يدرك الزمن، فهو صادق فيما يخبر به على ظنه.
لذلك يقول تعالى في آية أخرى:{قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأرض عَدَدَ سِنِينَ قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَسْئَلِ العآدين}[المؤمنون: ١١٢ - ١١٣]