نضغط على أكثر من زر ليتحقق هذا الفعل، هذا الإنسان الآلي حتى يتحرك حركة واحدة لا بد من ضغط وتحريك عدد آخر من القوى، لكن الإنسان حتى يمسح وجهه بيديه اكتفى بأنه بمجرد أن أراد مسح الوجه باليد مسح الوجه. فهل أمسك من يمسح وجهه بشيء وضغط عليه ليمسح وجهه؟
إنه بمجرد أن أراد فعَل. وسائق جرافة التراب يحرك عدداً من الأذرع الحديدية حتى يحرك الجرافة إلى أسفل، ثم حركة أخرى ليفتح كباشة التراب، وحركة تقبض أسنان الكباشة وحركة أخرى ترفع التراب، كل ذلك من أجل أن يرفع التراب من مكان ما إلى مكان آخر، والواحد منا بمجرد أن يريد أن يمسح وجهه فهو يمسح وجه ولا يعرف أي عضلات تحركت، فمن الذي فعل كل ذلك؟ . إنه الله.
فيا من تتعصب لصفة القدرة. فالله هو الذي فعل والعبد هو الذي وجه الطاقة التي تنفعل بالله. فإذا كانت إلى غير مراد الله يصير العبد عاصياً، وإن وجهها إلى مراد الله فيكون طائعاً، ويكون له الكسب فقط، فالذي يقتل واحداً، هو لم يقتله؛ لأنه لم يقل له:«كن قتيلاً» فيكون قتيلاً، ولكن القاتل يأتي بسكين أو سيف أو مسدس ويرتكب فعل القتل. فأداة القتل هي التي قامت بالفعل، والقاتل إنما أخذ الآلة الصالحة لفعل ما ولغيره، فوجهها لذلك الفعل. فيا من تريد العدل، إن الله يعذب على المعصية؛ لأن الإنسان استعمل أداة مخلوقة للفعل ولعدمه، فجعلها تؤدي فعلاً غير مرادٍ لله أي لا يرضى عنه الله ولا يحبه، ومع ذلك فالله هو الفاعل لكل شيء.
ونعود إلى الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها:{فَمَا لَكُمْ فِي المنافقين فِئَتَيْنِ والله أَرْكَسَهُمْ بِمَا كسبوا} وما دام هو سبحانه الذي أركسهم بما كسبوا، وأنتم مؤمنون بالله فلا بد أن يكون الرأي فيهم واحداً؛ لذلك يتساءل الحق:{أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ الله} ؟ وسبحانه لا يريد أن يقدم لهم العذر، إنما يريد أن يظهر لهم هدايته سبحانه وهي هداية لا تتأتى لهم؛ لأنه قد أضلهم فأنَّى لهم الهداية. فلماذا يقف جانب من المؤمنين في صفهم؟ .
لأن الله حين يهدي فهو يهدي من يشاء ويضل من يشاء بوضع القوانين الموضحة