ولكن القول:{مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي الله بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} يدل على أن إجراءً سيحدث قبل أن تقوم القيامة. ومن ذا الذي يستطيع أن يتصور أن إلهاً ينزل قرآنا يتحدى به ثم يأتي في القرآن بقضية مازالت في الغيب ويجازف بها، إن لم تكن ستقع؟ . والحق يقول:{فَسَوْفَ يَأْتِي الله بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} و «سوف» تخبرنا بموقف قادم سيأتي من بعد ذلك. ونقول هنا: من الذي يستطيع أن يتحكم في اختيارات الناس للإيمان؟ . لا أحد يستطيع أن يتحكم في اختيارات الناس للإيمان إلا الله سبحانه وتعالى، فهو الذي يتحكم ويحكم ويخبرنا بأنه سوف يأتي أناس يؤمنون بدلاً من المرتدين.
أما إن ارتد أناس، وانتظروا أن يروا البديل لهم، ولم يأت فماذا يكون الأمر؟ لا بد أن تنصرف الناس عن الدين. ولم يكن الحق ليجازف ويجري على لسان محمد بأن قوماً سيرتدون وهو لا يعلم أيأتي قوم مرتدون؟ والعلم جاء في هذه الآية كما جاء في كل القرآن من الله جل وعلا. وقد قالها الحق قضية كونية:{فَسَوْفَ يَأْتِي الله بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} . وهل هناك قوم يحبهم الله وهم لا يحبونه؟ ونقول: إن هذا لا يحدث مع الله، وإن كان يحدث في الحياة البشرية مثلما قال الشاعر العربي:
أنت الحبيب ولكني أعوذ به ... من أن أكون محبّاً غير محبوب
وشقاء المحبين إنما يأتي من أن العاشق يحب أحداً، وهذا الحبيب لا يبادله الحب؛ لذلك يظل العاشق باكياً طوال عمره. ولنا أن نلحظ أن حب الله هو السابق في هذا القول الكريم:{فَسَوْفَ يَأْتِي الله بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} ؛ لأن هذه هي صفة الانكشاف للعلم، لقد علم الحق أنهم سيتجهون إليه فأحبهم، وعندما جاءوا فعلوا ما جعلهم محبوبين لله، ثم ما هو الحب؟ . إنه ودادة القلب. وقلنا الكثير من قبل في أمر ودادة القلب. ونعرف أن هناك لوناً من الحب يتحكم فيه العقل. ولوناً آخر من الحب لا يتحكم فيه العقل ولكن تتحكم فيه العاطفة.
ومثال هذا عندما نذهب إلى طبيب ويصف لنا دواء مراً غير مستساغ الطعم، ونجد الإنسان الموصوف له الدواء يذهب إلى الصيدلية للسؤال عن الدواء، فإن لم