ونعلم أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لم ير ما حدث في عام الفيل؛ لأنه عام ميلاده، ولكن حين يخبره الله بذلك فمعنى هذا أنه بلاغ عن الله، والبلاغ عن الله يجعل الخبر القادم منه فوق الرؤية وأوثق وأكد منها.
وهنا يأتي السؤال الاستنكاري:{أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ الله آلِهَةً أخرى} . وعندما أعجزهم هذا السؤال في بعض مراحل الدعوة قال بعضهم:{مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى الله زلفى}[الزمر: ٣] .
وكأنهم أخيراً يعترفون أن المتقرَّب إليه هو الله، ولكن الحق يحسم أمر الشرك فيقول على لسان رسوله:{قُل لاَّ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إله وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ} فالرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لا يشهد بأي آلهة غير الله، وألقى إليهم السؤال الاستنكاري لعلهم يديرون رءوسهم ليهتدوا إلى صحيح الإجابة التي يوجزها الحق في قوله للرسول:{قُلْ إِنَّمَا هُوَ إله وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ} .
إن الكلام هنا موجه إلى فئة من المناوئين لرسول الله من عبدة الأوثان، وهم بعض من الكافرين برسالة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، والبعض الآخر هم بعض من أهل الكتاب، هؤلاء الذين تغافلوا عن الكتب المنزلة إليهم، وغابت عنهم الخمائر الإيمانية التي كانت ترد العاصي عن معصيته، فانتشر الفساد في الكون. لذلك أرسل الحق رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لأن العاصي لم يجد من يرده، واختفت من المجتمع في ذلك الوقت النفس اللوامة، وسادت فيه النفس الأمارة بالسوء.
إن الحق سبحانه لم يترك أمر الرسول غائباً عن البشر، فقد كان الرسول في كل أمةٍ ينبئ ويخبر عن الرسول الذي يليه حتى يستعد الناس لاستقبال النذير والبشير، ولذلك كانت كل الرسالات تتنبأ بالرسل القادمين حتى لا يظنوا أن مدّعيا اقتحم عليهم قداسة دينهم، ولأن الإسلام جاء ديناً عاماً، فلم يأت الخبر فقط بمحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في الكتب السابقة، ولكن جاءت أوصافه وسماته أيضاً واضحة وبيّنه فيها.