للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والحق هنا يوضح: لا تظلموا موسى، لأن شؤمكم أو حظكم السيئ ليس من موسى؛ لأن موسى لا يملك في كون الله شيئاً، وإنما المالك للكون هو رب موسى. وكأن الحق يريدهم أيضاً ألا يفتنوا في موسى إن صنع شيئاً يأتي لهم بخير، وهنا يقول لهم لا تتطيروا بموسى، لأن طائركم من عند الله.

ولأن أحداث الحياة صنفان: حدث لك فيه مدخل، مثل التلميذ الذي لم يذاكر ويرسب، أو إنسان لا يحسن قيادة سيارته فقادها فعطبت به أو أصاب أحداً إصابة خطيرة، وهنا لا غريم لهذا الإِنسان، بل هو غريم نفسه.

وهناك شيء يقع عليك، واسمه حدث قهري، فالإِنسان في الأحداث بين أمرين اثنين: إما مصيبة دخلت عليه من ذات نفسه لتقصيره في شيء. وإمَّا أحداث قدرية تنزل بالإِنسان ونقول إنها من عند الله لحكمة لا يعرفها الإِنسان؛ لأن الإِنسان ينظر إلى سطحيات الأشياء، وإلى عاجل الأمر فيها، ولكنه لا ينظر إلى عاقبة الأمر. ولهذا تحدث له بعض من الأحداث ليس له فيها مدخل.

مثال ذلك: أن يكون للإِنسان ابن نجيب وذكي وترتيبه دائماً من العشرة الأوئل، ثم جاء في ليلة الامتحان أو في يوم الامتحان وأصابه صداع جعله لا يعرف كيف يجيب عن أسئلة الامتحان ورسب، وهذه مصيبة ليس له مدخل فيها.

وعادة ما يحزن الناس من مثل هذه المصائب لكن المؤمن يقول: إن الولد لم يقصر، وهذا أمر جاء من الله، وسبحانه منزه عن العبث، بل حكيم ولابد أن له حكمة في مثل هذه الأمور. وبعد مدة تتبين الحكمة، فلو كان الولد قد نجح لأصابته عين الحسود. وحدث له ما يكره، فكأن الله يصنع له تميمة يحميه بها من الحسد. وقديماً حين كانوا يصنعون للطفل الجميل «فاسوخة» ، ولا يهتمون بنظافته ولا بملابسه، لماذا؟ يقال حتى لا تتجه إليه عين العائن الحاسد.

وأقول: وما الذي يدرك أن الله سبحانه وتعالى صنع الحادث الطارئ ليرد عنه العين، ويُسكت الناس عنه؟ وما الذي يدريك أن الله أراد له أن يرسب هذا العام لأنه لم يكن يستطيع الحصول على المجموع الذي يدخله الكلية التي يريدها، ثم يستذكر في العام التالي وتكون المذاكرة سهلة بالنسبة له، ونقول له: احمد ربك

<<  <  ج: ص:  >  >>