هذا القول يدلنا على الإِعجاز المطلق، فمرة أمر الحق موسى أن يضرب الماء بالعصا {فانفلق فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كالطود العظيم} ، ومرة يأمره هنا أن يضرب الحجر فينحبس منه الماء، وهكذا نرى طلاقة قدرة الله في أن يعطي ويمنع بالشيء الواحد، ولم يكن ذلك إلا بالأسباب التي في يد الله يحركها كيف يشاء. ولذلك رأينا أمر الله حين ضرب موسى البحر بعصاه، فصار كل فرق كالطود، أي كالجبل، وامتنعت السيولة، ولما خرج موسى وقومه إلى البر بعد أن عبر البحر أراد أن يضرب البحر ليعود ثانية إلى سيرته الأولى من السيولة، فأوحى له الله:{واترك البحر رَهْواً} .
أي تركه كما هو عليه؛ لأن الله يريد أن يغتر فرعون وقومه بأن يروا اليابس طريقاً موجوداً بين الماء، فيحاولوا النفاذ منه وراء موسى وقومه، وما أن دخل فرعون وقومه خلف موسى حتى عاد الماء إلى سيولته فغرق فرعون وقومه. وهكذا أنجى الله وأغرق بالشيء الواحد، وكذلك في أمر العصا؛ إنها حين ضربت الماء فلقته فصار كل فرق كالطود والجبل الشامخ، ثم ضرب موسى بها الحجر فانبجست منه اثنتا عشرة عينا من الماء، وهكذا نرى قدرة من بيده القدرة والأسباب. {اضرب بِّعَصَاكَ الحجر فانبجست مِنْهُ اثنتا عَشْرَةَ عَيْناً ... }[الأعراف: ١٦٠]
وهنا تعبير «انبجست» ، وهناك تعبير «انفجرت» ، ونعلم أن الانبجاس يحدث أولاً ثم يتبعه الانفجار ثانياً، فالانبجاس أن يأتي الماء قطرة قطرة، ثم يأتي الانفجار وتتدفق المياه الكثيرة، فكان موسى عليه السلام أول ما يضرب الضربة تأتي وتجيء المياه قليلة ثم تنفجر بعد ذلك. إذن فقد تكلم الحق عن المراحل التي أعقبت الضربة في لقطات متعددة لمظهر واحد؛ له أولية وله آخرية.