لا يعني أن علمه متصل بوقت الكلام، فعلم الله تعالى موصول أزلي وسبحانه مُنزَّهٌ عن الأغيار.
إذن فالعلم المراد هنا هو علم الواقع الذي سوف يكون حجة عليكم؛ لأن الله سبحانه وتعالى لو لم يختبركم لقلتم: لو أمرتنا يا رب بالقتال لقاتلنا، ولو أمرتنا بالصبر في الحرب لصبرنا، وَلَكُنَّا أكبر المجاهدين.
ولذلك جاءت الابتلاءات كتجربة عملية، ومن هذه الابتلاءات مواجهة العدو في حرب، فمن هرب ثبت له التقصير في المواجهة، ومن لم يصبر على الابتلاءات، عرف تقص إيمانه وأصبح ذلك علما واقعا.
{وَلَمَّا يَعْلَمِ الله الذين جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ الله وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ المؤمنين وَلِيجَةً}[التوبة: ١٦] .
إذن فالله يريد بعلم الواقع التمييز بين صدق الجهاد وبين الفرار منه، وأن يكون هناك سلوك إيماني واضح؛ يبين أن هؤلاء القوم لم يتخذوا من دون الله ولا رسوله وليجة، و «الوليجة» من فعلية، بمعنى فاعل، و «والجة» يعني «داخلة» . {ذلك بِأَنَّ الله يُولِجُ الليل فِي النهار وَيُولِجُ النهار فِي الليل}[الحج: ٦١] .
أي: يُدخْل الليل على النهار ويُدخل النهار على الليل، والمراد ب «الوليجة» الشيء الذي يدخل في شيء ليس منه، وهي من الكلمات التي تطلق ويستوي فيها المفرد المذكر والمؤنث، والمثنى والمثناة وجمع المذكر وجمع المؤنث، وتقول:«امرأة وليجة» و «رجال وليجة» . كما تقول:«رجل عدل» و «امرأة عدل» ، و «رجلان عدل» ، «امرأتان عدل» ، و «رجال عدل» و «نساء عدل» ، لا تختلف في كل هذه الحالات.