للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وعندما أراد الحق سبحانه وتعالى أن يعطينا صورة الجنة في الآخرة؛ كيف بيَّنها لنا سبحانه مع أن الجنة فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر؟

نقول: الوجود المعروف في الكون هو الوجود الذي تراه أو تسمعه، وفي هذه الحالة يكون الوجود أوسع؛ لأنك ستسمع الذي رآه غيرك حين يقصه عليك. إذن: فالسماع أوسع من الرؤية لأنه يأخذ مجالك ومجال غيرك. فأنت إذا قلت: إنك ذهبت إلى نيويورك مثلاً تكون قد رأيت، فإذا لم تذهب ونقل إليك أحد أصحابك صورة هذه المدينة، تكون دائرة معلوماتك أوسع؛ لأنك أضفت إلى علمك ما رأيته وما رآه غيرك. وأما الأشياء التي لا تخطر على بال بشر، فهي أوسع كثيراً مما ترى وتسمع؛ لأنها أشياء فوق الحصر.

والكلمات توضع لمعانٍ معلومة، فألفاظ اللغة لا بد أن توضع لمعانٍ مرت على العين، أو مرت على السمع، أو مرت على الخاطر. فقبل أنّ يخترع التليفزيون لم يكن له اسم، إذن: فلا يمكن أن يكون هناك اسم، إلا إذا كان هناك وجود أولاً، ولكن قبل الوجود لا يكون هناك في اللغة ما يعبر عن شيء غير موجود. ولكن الألفاظ تضاف إلى اللغة بعد وجود الشيء. وهذه مهمة المجامع اللغوية في العالم. فالأشياء توجد أولاً، ثم تجتمع هذه المجامع لتختار لها أسماء.

ولكن الجنة في الآخرة سيكون فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، فليس عندنا ألفاظ تعبر عما في جنة الآخرة، فإذا أضفنا إلى ذلك «ولا خطر على قلب بشر» تكون اللغة عاجزة تماماً عن أن تعبر عما في جنة الآخرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>