{يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الله فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ} و «قَاتَل» ، و «قَتَلَ» غير «قَاتَلَ» . فالقتل عمل من جهة واحدة، لكن «قَاتَلَ» تقتضي مفاعلة، مثلها مثل «شَارَكَ زيدٌ عَمْراً» . وكل مادة «فاعَلَ» توضح لنا الشركة في الأمر، فكل واحد منهم فاعل، وكل واحد منهم مفعول. ولذلك تجد في أساليب العرب ما يدلك على أن ملحظ الفاعلية في واحد هو الغالب، وملحظ المفعولية في الآخر هو الغالب، ولكن على التحقيق فإن كل واحد منهم فاعل من جهة، ومفعول من الجهة الأخرى.
فمثلاً: الرجل الذي سار في الصحراء التي فيها حيّات وثعابين، ولم يُهج الرجل أثناء سيره الحيّات ولا الثعابين، بل تجنبها، والثعبان ما دُمْت لا تهيجه فهو لا يفرز سمّاً؛ لأن سمّ الثعبان لا يفرز إلا دفاعاً.
وساعة يرى الثعبان أنك ستواجهه يستعمل سُمَّه، فإذا كان الرجل سائراً وله قدرة المحافظة على عدم إهاجة الثعابين ولا الحيات، فهو قد «سالمها» ، والشاعر يقول:
قد سَالَمَ الحيَّاتُ منه القَدَما ... والإفْعُوان والشُّجَاعَ الشَّجْعَما
والأفعوان هو الثعبان الفظيع، ونلحظ أن «الأفعوان» منصوب، وأن «الحياتُ» مرفوعة، إذن: فالقدم مفعول، والحيات فاعل وجاء بالقدم منصوبة، وكذلك الشجعم لما في الحيات من المفعولية؛ لأن الحيّات إذا سالمت القدمَ فقد سالمها القدمُ، فكأنه قال: سالم القدمُ الحيّاتِ، ثم جعل الأفعوان بدلاً منها.