للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أما من الناحية الاجتماعية فقد أبان لنا هذا الكتاب الذي احتوى على أكثر من أربعة آلاف ترجمة اتجاه المؤرخين في تخليد المبرزين في المجتمع، وصوَّر جانبًا من القاعدة الاجتماعية لفئة العلماء، وظهر في هذا الكتاب عدم وجود تأثير المنزلة الاجتماعية والاقتصادية وقلة تأثيرها، بل انعدامها، في تقدير الناس، وأن المجتمع الإسلامي لم يكن يعرف في هذا المجال في الأقل أي نوع من النظم الطبقية، وأكذَبَ الفكرةَ القائلة: إن التاريخ الإسلامي هو تاريخ حكام لم يعن بتاريخ جماهير الأمة، فإن عناية المسلمين بتاريخ "التراجم" وتدوينهم سير الناس ممن اشتهروا بسياسة، أو علم، أو أدب، أو فن، أو عقيدة وما إليها من غير نظر لمركز اقتصادي أو اجتماعي، يؤكد من غير شك أن موازينهم كانت على غاية من الرقي الإنساني، وقد جربنا المؤلف وهو يترجم محدثًا فقيرًا ويترك غنيًّا، ويثني على شخص من عامة الناس ويذم آخر من عليه القوم، في الوقت الذي اقتصرت فيه النواحي العلمية ومحتويات كتب التراجم - عند كثير من الأمم في هذه الأعصر - على فئات معينة من الناس كما كان في أوربا العصور الوسطى.

وكشف لنا هذا التاريخ عن انتقال المراكز العلمية الإسلامية بالكلية إلى البلاد الشامية والمصرية بعد احتلال المغول لأقاليم الإسلام الشرقية والعراق وتدمير الحضارة العربية الإسلامية فيها، ونجاح المماليك في صد هذا الهجوم المدمر، ومحاولات الأشرف خليل تحرير العراق منهم، لكن قتله حال دون تحقيق تلك الأمنية.

وفي الوقت الذي اقتصر كثير من المؤرخين على تدوين سير شرائح مُعينة من المترجمين، نجد البرزالي يتوسع في ذكر تراجم لا يُعنى بها كثير منهم، مما يشير إلى سعة أفقه، وعدم تعصبه، ولا أدل على ذلك أن عددًا كبيرًا من تراجم الكتاب قد تفرد بذكرها، وأعرض عن اقتباسها من جاء بعده.

<<  <  ج: ص:  >  >>