للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

"وفي شَوّال شَكَى شَيْخ الصُّوفية بالقاهرة كريمُ الدِّين الآمُلي وابنُ عَطاء وجَماعة نحو الخمس مئة من الشَّيخ تَقِيّ الدِّين ابن تَيْميّة وكلامه في ابن عَرَبيّ، وغيره، إلى الدَّولة، فردّوا الأمر في ذلك إلى الحاكم الشّافعيّ، وعُقِدَ له مَجْلسٌ وادّعَى عليه ابنُ عَطاء بأشياء، فلم يَثْبُت شيءٌ منها، لكنّهُ اعترفَ أنه قال: لا يُسْتغاث بالنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - استغاثة بمعنى العِبادة، ولكن يُتَوَسّل به. فبعض الحاضرين قال: ليسَ في هذا شيء. ورأى قاضي القُضاة بَدْر الدِّين أن هذا إساءة أدَب، وعَنَّفَهُ على ذلك. فحضرت رسالة إلى القاضي أن يَعْمَل معه ما تقتضيه الشَّرِيعة في ذلك. فقال القاضي: قد قلتُ له ما يُقال لمثله.

ثم إنَّ الدَّولةَ خَيَّروه بين أشياء، وهي الإقامة بدمشق أو الإسكندرية بشروط أو الحَبْس، فاختارَ الحَبسْ، فدخلَ عليه جماعته في السَّفَر إلى دمشقَ مُلْتَزمًا ما شُرط، فأجابهم، فأركبوه خَيْل البَرِيد ليلة الثامن عَشَر من شَوّال.

ثم أُرسل خَلْفه من العد بريدٌ آخر، فردَّهُ، وحضرَ عند قاضي القُضاة بحضور جَماعة من الفُقهاء، فقال له بعضُهم: ما تَرْضَى الدولة إلا بالحَبْس. فقال قاضي القُضاة: وفيه مَصْلحة له. واستنابَ شَمْس الدِّين التونسيّ المالكيّ وأذِن له أن يحكم عليه بالحَبْس، فامتنعَ وقال: ما ثَبتَ عليه شيءٌ. فأُذِنَ لنورِ الدِّين الزَّواويّ المالكيّ، فتحيَّرَ. فقال الشَّيخ: أنا أمضِي إلى الحَبْس وأتبع ما تَقْتَضِيه المَصْلحة. فقال نور الدِّين المأذون له في الحُكْم: يكون في موضع يَصْلح لمثله. فقيل له: ما تَرْضَى الدَّولة إلّا بمُسمَّى الحَبْس، فأُرسِلَ إلى حَبْس القاضي، وأُجْلِسَ في الموضع الذي أُجْلِسَ فيه القاضي تَقِيّ الدِّين ابن بنت الأعزّ لما حُبِسَ، وأُذِنَ في أن يكون عنده من يَخْدمه. وكانَ جميع ذلك بإشارة الشَّيخ نَصر المَنْبِجيّ ووجاهته في الدَّولة.

<<  <  ج: ص:  >  >>