للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم تجازى بأعمالها، فإما إلى دار النعيم والقرار، وإما إلى دار العذاب والبوار.

ثم غاب الرجل، فلم يدر أين ذهب، وتلاحق أصحاب الملك يه، وقد تغير لونه وتواصلت عبراته فلما جن عليه الليل نزع ثياب ملكه، ولبس طمرين (١) وخرج ليلًا، فكان آخر العهد به.

أفنى القرون التي كانت منعمة … كرّ الليالي إقبالًا وإدبارًا

يا راقد الليل مسرورًا بأوله … إن الحوادث قد تطرقن أسحارًا

لا تأمنن بليل طاب أوله … فرُبَّ آخر ليل أجج (٢) النارا

السابعة: روى أن بعض الملوك كان متنسكًا ثم مال إلى الدنيا ورياسة الملك، وبنى دارًا وشيدها، وأمر بها ففرشت.

واتخذ مائدة ووضع طعامًا ودعى الناس.

فجعلوا يدخلون عليه ويأكلون ويشربون وينظرون إلى بنائه ويتعجبون من ذلك، ويدعون له وينصرفون.

فمكثوا أيامًا كذلك، ثم جلس هو ونفر من خاصة أصحابه.

فقال: قد ترون سروري بداري هذه، وقد حدث أن اتخذ لكل واحد من أولادي مثلها.

فأقيموا عندي أيامًا استأنس بكم وأشاور فيما أريد من هذا البناء.

فأقاموا عنده أيامًا يلهون ويلعبون ويشاورهم كيف يبني؟ وكيف يصنع؟ ويرتب ذلك؟

فبينما هم ذات ليلة في لهو إذ سمعوا قائلًا من أقصى الدار يقول:

يا أيها الباني الناسي منيَّته … لا تأمنن فإن الموت مكتوب

على الخلائق إن سرُّوا وإن كدُّروا … فالموت حتف لدى الآمال منصوب

لا تبنين دارًا لست تسكنها … وراجع النُسك (٣) كيما يغفر الحوب (٤)


(١) الطمر: الثوب الخلق البالي، جمعها: أطمار.
(٢) أجج النار: ألهبها، وبينهم الشر، أوقده وأثاره، والماء: جعله أُجاجًا، وتأججت النار: تلهبت.
(٣) نَسِكَ نَسكًا ونسك فلان: تزهد وتعبد وذبح ذبيحة تقرب بها إلى اللَّه.
والمنسك: طريقة الزهد والتعبد، وموضع تذبح فيه النسيكة وجمعها مناسك.
(٤) حاب، حوبًا: أثم، وأحوب: انزلق إلى الإثم.
وفي القرآن: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا﴾ [النساء: ٢].

<<  <  ج: ص:  >  >>