للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ففزع الملك لذلك، وفزع أصحابه فزعًا شديدًا، وراعهم.

فقال: هل سمعتم ما سمعت؟

قالوا: نعم.

قال: فهل تجدون ما أجد؟

قالوا: وما تجد، قال: على مسكة على فؤادي وما أراها إلَّا علَّة الموت.

فقالوا: كلا بل البقاء والعافية.

فبكى، ثم أمر بالشراب فأهريق، وبالملاهي فأخرجت -أو قال: فكسرت- فتاب، ولم يزل يقول الموت حتى فاضت نفسه.

الثامنة: عن سرّي قال: مررت يومًا في بعض البراري مع جماعة من إخواني على قصر، قد أناخ الزمان بكلكله (١).

فهدَّم أركانه وحطَّم بنيانه، وقد بقيت معالمه وأبوابه، وعلى أبوابه مكتوب، فنفضت التراب عن ذلك، ثم تأملته.

فإذا هو مكتوب:

هو السبيل فمن يوم إلى يوم … كفرحة النائم المهجوع في النوم

إن المنايا وإن أصبحت في شغل … تحوم حولك حومًا أيما حوم

لا تعجلن رويدًا إنها دول … دنيا تنقل من قوم إلى قوم

قال: فدخلت القصر أنا وأصحابي، وإذا بقبة في وسطه من الزمرد الأخضر مرصعة بالدرّ والياقوت الأخضر.

قد علاها الغبار من تطاول السنين والأعمار معلقة على أربعة أعمدة من ياقوت.

فتأملتها وأطلت النظر فيها، فإذا عليها منقوش هذا النظم:

قف بالقبور وناد المستقر بها … من أعظم بليت فيها وأجسادا

قوم تقطَّعت الأسباب بينهم … بعد الوصال فصاروا نحو ألحاد (٢)

واللَّه لو بُعثوا واللَّه لو نُشروا (٣) … قالوا بأن التُقى من أفضل الزاد

قال: فتأملنا متكأ الملك فإذا عليه مكتوب:


(١) الكلكل: الصدر، أو هو ما بين الترقوتين.
(٢) لحد الميت لحدًا: دفنه في اللحد، وألحد فلان عدل عن الحق، والميت: دفنه في اللحد، واللّحد: الشق يكون في جانب القبر للميت، جمعها: ألحاد، لحود.
(٣) نشر اللَّه الموتى نشرًا، ونشورًا: بعثهم وأحياهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>