للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجبة (١) عظيمة من داخل القبر كادت تذهب عقله، فرد قلقًا فلما كان الليل رأى أخاه في النوم قد أتاه فقال: يا أخي جئتنا زائرًا؟

فقال: هيهات بعد المزار فلا مزار، واطمأنت بنا الدار.

فقال له: كيف أنت؟

قال: بخير ما أجمع التوبة لكل خير.

فقال له: كيف أخي؟

قال: مع الأئمة الأبرار.

قال: فما أمرنا.

قال: من قدم شيئًا وجده، فاغتنم وجدك قبل عدمك.

فأصبح معتزلًا (٢) للدنيا، قد انخلع قلبه منها، ففرق ماله وقسم رباعه، وأقبل على الطاعة.

ونشأ له ولد كامل الشباب وجهًا وجمالًا.

فأقبل على التجارة حتى حضرت أباه الوفاة.

فقال الابن: يا أبت ألا توصني؟

قال: واللَّه ما لأبيك مال فيوصي به، ولكن أعهد إليك عهدًا، إذا أنا مِتُّ فادفنني مع عمَّيك، واكتب على قبري هذين البيتين:

وكيف يلذ العيش. . . إلى آخرهما كما سلف.

فإذا بلغت ذلك فتعاهدني ثلاثًا، وادع اللَّه لي.

ففعل الفتى ذلك، فلما كان اليوم الثالث سمع من القبر صوتًا اقشعر له جلده، وتغيَّر لونه، فرجع إلى أهله محمومًا -أو قال مهمومًا- فلما كان الليل آتاه أبوه في المنام فقال: يا بني أنت عندنا عن قليل، والأمر بآخره، والموت أقرب من ذلك،


(١) وجب الشيء: يجب وجوبًا لزم وثبت وسقط إلى الأرض.
(٢) قال النووي: مذهب الشافعي وأكثر العلماء أن الاختلاط أفضل بشرط رجاء السلامة من الفتن، ومذهب طوائف أن الاعتزال أفضل، وأجاب الجمهور عن هذا الحديث بأنه محمول على الاعتزال في زمن الفتن والحروب أو هو فيمن لا يسلم الناس منه ولا يصبر عليهم، أو نحو ذلك من الخصوص، وقد كانت الأنبياء صلوات اللَّه وسلامه عليهم وجماهير الصحابة والتابعين والعلماء والزهاد مختلطين فيحصلون منافع الاختلاط كشهود الجمعة والجماعة والجنائز وعيادة المرض وحلق الذكر وغير ذلك. [النووي في شرح مسلم (١٣/ ٣١) طبعة دار الكتب العلمية].

<<  <  ج: ص:  >  >>