للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال: يا أمير المؤمنين أنبأنا أيمن بن نايل (١) عن قدامة بن عبد اللَّه العامري قال: رأيت رسول اللَّه بمنى على جمل وتحته رحل رثَّ، فلم يكن ضرب ولا طرد ولا إليك إليك.

وتواضعك في سفرك هذا خير لك من تكبرك وتجبرك.

فبكى هارون حتى سقطت الدموع على الأرض ثم قال: يا بهلول زدنا يرحمك اللَّه.

فأنشده:

هب إنك قد ملكت الأرض طرًّا (٢) … ودان لك العباد فكان ماذا

أليس غدًا مصيرك جوف قبر … ويحثو التراب عليك هذا ثم هذا

قال: أحسنت يا بهلول (٣) هل غيره؟

قال: نعم يا أمير المؤمنين، رجل أتاه اللَّه مالًا وجمالًا، فأنفق من ماله وعفَّ في جماله كُتِب في خالص ديوان اللَّه من الأبرار.

فقال: أحسنت يا بهلول مع الجائزة.

قال: أردد الجائزة على من أخذتها منه فلا حاجة لي فيها.

قال: يا بهلول فنجري عليك ما يكفيك.

فرفع بهلول رأسه إلى السماء ثم قال: يا أمير المؤمنين اعلم أنا وأنت من عيال اللَّه فمحال أن يذكرك وينساني، فأسبل هارون السِّجاف ومضى.

الرابعة عشر: حكى عن علي أنه قال: دخلت مقابر البقيع (٤) لأزور


(١) أيمن بن نايل، أبو عمران، أبو عمرو الحبشي المكي الكوفي، صدوق، أخرج له البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجه، وتوفي سنة (١٦٠).
ترجمته: تهذيب التهذيب (١/ ٣٩٣)، تقريب التهذيب (١/ ٨٨)، الكاشف (١/ ١٤٤)، الجرح والتعديل (٢/ ٣١٩)، ميزان الاعتدال (١/ ٢٨٣)، الوافي بالوفيات (١٠/ ٣٠)، سير الأعلام (٦/ ٣٠٩).
(٢) طرَّ طرًّا وطرورًا: كان طريرًا ذا رواء وجمال. والطّرُة: ما تتزين به المرأة من الشعر الموفى على جبهتها بالقص والتصفيف.
(٣) اسمه البهلول بن عمرو، أو وهب الصيرفي الكوفي وسوس في عقله وما أظنه اختلط، أو قد كان يصحو في وقت فهو معدود في عقلاء المجانين.
وحدث عن عمرو بن دينار، وعاصم بن بهدلة، وأيمن بن نايل، وما تعرضوا له بجرح ولا تعديل ولا كتب عنه الطلبة، طول ترجمته ابن النجار وذكر أنه أتى بغداد، ولم أجد له وفاة. تاريخ الإسلام للذهبي وفيات (١٨١ - ١٩٠).
(٤) روى مسلم في صحيحه [١٠٢ - (٩٧٤)] كتاب الجنائز، باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء =

<<  <  ج: ص:  >  >>