للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال مالك بن دينار: ما تنعم المتنعمون بمثل ذكر اللَّه.

وقال أبو جعفر الصواعق تصيب المؤمن وغيره ولا تصيب الذاكر. وقال مجاهد: إذا أراد أحدكم أن ينام فليستقبل القبلة، ولينم على يمينه، وليذكر اللَّه تعالى، وليكن آخر كلامه عند منامه: لا إله إلا اللَّه، فإنها وقَاءُه، ولا يدرى لعلها تكون منيته، ثم قرأ: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ﴾ [الأنعام: ٦٠].

وأنشد في هذا المعنى:

قد جلى الباب قليلا … فاجعل الذكر سبيلا

والزم الباب غدَّوا … وعشيَّا وأصيلا

إن تُطِعْنِي لم تجدني … للمطيعين خذولا

إن عندي للمطيعين … شرابا سلسبيلا

واتعبوا اليوم قليلا … تنعموا دهرا طويلا

وعن أُبيِّ بن كعب (١) أنه قال: "عليكم بالسبيل، أي الدين والسنة، فإنه ليس من عبد عليها ذكر الرحمن ففاضت عيناه من خشية اللَّه فتمسه النار (٢). وليس من عبد عليها ذكر الرحمن فاقشعر جلده من مخافة اللَّه إلا كان مَثَلُه كَمَثل شجرة بفلاة فبينما هي كذلك إذ أصابتها ريح فتحاتَّت (٣) عنها ورقها إلا تحاتت عنه ذنوبه كما تحاتتَّ عن تلك الشجرة ورقها".

وقال أبو عبد اللَّه محمد بن علي الترمذي الحكيم: ذكر اللَّه يرطب القلب ويلينه، فإذا غفل عن الذكر وأصابته حزازة النفس ونار الشهوة فقسى ويبس وامتنع الأعضاء عن الطاعة، فإذا مددتها انكسرت كالشجرة إذا يبست لا تصلح لشيء إلا للقطع، وتصير وقودا للنار.

وعن أبي يزيد البسطامي (٤) قال: لم أزل منذ ثلاثين سنة كلما أردت أن أذكر


(١) أُبَيِّ بن كعب: صحابي جليل غني عن التعريف، من القراء الكبار من الصحابة.
(٢) روى الترمذي في سننه (١٦٣٩) كتاب فضائل الجهاد، باب ما جاء في فضل الحرس في سبيل اللَّه، عن ابن عباس قال: سمعت رسول اللَّه يقول: "عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية اللَّه وعين باتت تحرس في سبيل اللَّه".
(٣) حتَّ الورق عن الشجر حتًّا: سقط، وتحاتَّ الورق عن الغصن: سقط، ويقال: تحاتَّ الشجرة: تساقط ورقها، وتحاتَّت عنه ذنوبه.
(٤) أبو يزيد: طيفور بن عيسى البسطامي الزاهد العارف، من كبار مشايخ القوم، وهو بكنيته أشهر وأعرف، وله أخوان: آدم وعلي، وكانا زاهدين عابدين، وكان جدهم أبو عيسى آدم بن عيسى مجوسيا فأسلم، ومن كلامه: ما وجدت شيئا أشد عليَّ من العلم ومتابعته، ولولا اختلاف =

<<  <  ج: ص:  >  >>