للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الانزعاج قلت في نفسي: اليوم أعرف صدقه، فألهمني الباري تعالى السبعين ألفا، ولا يطلع على ذلك أحد إلا اللَّه تعالى. فقلت في نفسي: الأثر حق، والذين رووه لنا صادقون.

اللهم إن السبعين ألفا فداء هذه المرأة أم هذا من النار، فما استتممت الخاطر في نفسي إلا أن قال: يا عم ها هي أُخْرِجت، الحمد للَّه.

فحصل لي فائدة أن إيماني بصدق الأثر، وسلامتي لهذا الشاب وعلمي بتصديقه.

ولأبي العباس بن العريف:

سلوا عن الشوق من أهوى فإنهم … أدنى إلى النفس من وهمي ومن نفسي

فمن رسول إلى قلبي ليس إليهم … عن شكي من سؤال العبث ملتبس (١)

الرابعة: عن خادمة رابعة العدوية (٢) قالت: كانت رابعة تصلي الليل، فإذا طلع الفجر هجعت هجعة في (. . . . .) (٣) حتى تستقر، فكنت أسمعها تقول إذا وثبت من مرقدها ذلك وهي فزعة: يا نفس كم تنامين، وإلى كم لا تقومين، يوشك أن تنامين نومة لا تقومين منها إلا لصرخة النشور. وكان هذا دأبها حتى ماتت.

فلما حضرتها الوفاة دعتني وقالت: لا تؤذنن بموتي أحدا، وكفنيني في جُبَّتي هذه، وكانت جبة من شعر تقوم فيها إلى أن حضرتها الوفاة، فكفنتها فيها، وفي خمار صوف كانت تلبسه.

فرأيتها في المنام وعليها حُلَّة إستبرق خضراء، وخمارا من سندس أخضر (٤)، ولم أر شيئا قط أحسن منه. قلت لها: ما فعلت بالجبة التي كفنتك فيها والخمار الصوف؟ قالت إنه نزع عني، وأبدلت به هذا الذي ترينه، وطويت أكفاني، ورفعت في عليين ليكون لي ثوابها يوم القيامة. فقلت لها: لهذا كنت تعملين أيام الدنيا.


(١) ذكر بعده بيتا ثالثا غير واضح.
(٢) رابعة العدوية كانت كثيرة البكاء والحزن، وكانت إذا سمعت ذكر النار غشي عليها زمانا، وكانت تقول: استغفارنا يحتاج إلى استغفار، وكانت ترد ما أعطاه الناس لها وتقول: ما لي حاجة بالدنيا، وكانت بعد أن بلغت ثمانين سنة كأنها شنٌّ بالٍ تكاد تسقط إذا مشت، وكان كفنها لم يزل موضوعا أمامها، وكان بموضع سجودها.
(٣) كلمة غير واضحة بالأصل.
(٤) قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (٣٠) أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا (٣١)﴾ [الكهف: ٣٠ - ٣١]،

<<  <  ج: ص:  >  >>