للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمَا تُوعَدُونَ (٢٢)(١) قال: يا أصمعي، هذا كلام الرحمن ﷿؟ قلت: إي والذي بعث محمدا للخلق، إنه لكلام الرحمن، أنزله على نبيه محمد فقال: حسبك، ثم قام إلى راحلته فنحرها، وقطعها بجلدها، وقال: أعني على تفريقها، ففرقناها على من أقبل وأدبر، ثم عمد إلى سيفه وقوسه فكسرها، وجعلهما تحت الرمل، وولى مدبرًا نحو البادية وهو يقول: ﴿وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (٢٢)(٢) فأقبلت على نفسي باللوم وقلت: لم لا تنتبهي لما انتبه له الأعرابي، فلما حججت مع الرشيد دخلت مكة، فبينا أنا طائف بالكعبة، إذا هتف بي هاتف بصوت رقيق، فالتفت فإذا بالأعرابي نحيل مصفار، فسلم عليّ، وأخذ بيدي وأجلسني من وراء المقام، وقال لي: اتل كلام الرحمن، فأخذت في سورة والذاريات، فلما انتهيت إلى قوله: ﴿وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (٢٢)[الذاريات: ٢٢] صاح الأعرابي، وقال: وجدنا ما وعدنا ربنا حقًا، ثم قال: وغير هذا، قلت: نعم؛ يقول اللَّه ﷿: ﴿فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (٢٣)(٣) فصاح الأعرابي: من أغضب الجليل حتى حلف، ألم يصدقوه حتى ألجأوه إلى اليمين؟!! قالها ثلاثا، فخرجت نفسه - رحمه اللَّه تعالى.

الرابعة: عن بشر الحافي أنه جاء نفر فسلموا عليه، فقال: من أنتم؟ قالوا: نحن من الشام، جئنا نسلم عليك، ونريد الحج، فقال: شكر اللَّه لكم، فقالوا: نخرج معك لنحج في صحبتك، فأبى، فألحوا عليه، فقال: إذا عزمتم على ذلك فيكون بثلاثة شروط، قالوا: وما تلك الشروط؟ قال: لا نحمل معنا شيئًا، ولا نسأل أحدًا شيئًا، وإن أعطينا لا نقبل، قالوا: لا نستطيع ذلك، فقال: كأنكم خرجتم من بيوتكم متوكلين على مزاود الحجاج، لا متوكلين على اللَّه، دعوني وحالي، وروحوا إلى أشغالكم، ثم قال: أحسن الفقر ثلاثة: فقير لا يسأل، وإن أعطي لا يأخذ، فذاك من الروحانيين، أو قال: مع الروحانيين، وفقير يسأل وإن أعطي لا يأخذ، قيل قدر الكفاية، فكفايته صدقة، وفقير لا يسأل، وإن أعطي قبل فذاك من الذين يوضع لهم موائد في حضرة القدس.

فائدة: قيل: دخل جماعة على أبي القاسم الجنيد (٤) -رحمه اللَّه تعالى- فقالوا


(١) سورة الذاريات [٢٢].
(٢) سورة الذاريات [٢٢].
(٣) سورة الذاريات [٢٣].
(٤) الجنيد بن محمد بن الجنيد، أبو القاسم النهاوندي الأصل البغدادي القواريري الخزاز، وقيل كان أبوه قواريريًا يعني زجاجًا، وكان هو خزازًا، كان شيخ العارفين وقدوة السائرين وعلم الأولياء في زمانه -رحمة اللَّه عليه- ولد ببغداد بعد [٢٢٠] فيما أحسب أو قبلها، ونفقه على أبي ثور، واختص بصحبة السري السقطي والحرمي وأبي حمزة البغدادي، وأتقن العلم، وتوفي سنة [٢٩٨]. تاريخ الإسلام، وفيات [٢٩١ - ٣٠٠].

<<  <  ج: ص:  >  >>