له: نطلب أرزاقنا؟ فقال: إن علمتم أين هي فاطلبوها، فقالوا: نسأل اللَّه ذلك، فقال: إن علمتم أنه ينساكم فاذكروه، فقالوا ندخل بيوتنا ونتوكل، فقال: التجربة مع اللَّه شك، قالوا: فما الحيلة؟ قال: ترك الحيلة.
الخامسة: عن بعضهم قال: رأيت فتى في طريق مكة يتبختر في مشيته، كأنه في صحن داره، فقلت له: ما هذه المشية؟ فقال: مشية الفتيان؛ خُدَّام الرحمن.
وأنشدوا:
أتيه بك افتخارًا غير أني … أتيه من المهابة عند ذكرك
ولو أني قدر لمُت شوقًا … وإجلالا لأجل عظيم قدرك
فقلت: أين زادك وراحلتك؟ فنظر إليَّ منكرًا لقولي، ثم قال: يا هذا رأيت عبدًا ضعيفًا قصد مولى كريمًا، ثم حمل إلى بيته طعاما، أيجمل به ذلك لو فعل ذلك لأمر الخدَّام بطرده عن بابه؛ إن المولى -جلّت قدرته- لما دعاني إلى المقصد إليه، رزقني حُسن التوكل عليه، ثم غاب عني، فما رأيته بعد ذلك رحمة اللَّه عليه.
السادسة: حكي أن عابدًا اعتكف في مسجد، ولم يكن له معلوم، فقال له الإمام: لو اكتسبت لكان خيرًا لك وأفضل، فلم يجبه حتى أعاد عليه القول ثلاثًا، فقال له في الرابعة: بجوار المسجد رجل يهودي قد ضمن لي في كل يوم رغيفين، فقال: إن كان صادقًا في ضمانه فقعودك في المسجد خير لك، فقال: يا هذا، لو لم تكن إماما بين اللَّه -تعالى- وبين عباده مع هذا النقص في التوحيد لكان خيرًا لك؛ تفضل ضمان اليهودي على ضمان اللَّه ﷿ وأنشدوا في هذا المعنى لعلي بن أبي طالب ﵄:
لتطلب رزق اللَّه من عند غيره … وتصبح من خوف العواقب آمنًا
وترضى بصراف وإن كان مشركا … ضمينا ولا ترضى بربك ضامنا
السابعة: عن علي بن عبدان ﵀ قال: كان عندنا مجنون يُجنُّ بالنهار، ويفيق بالليل، ويصلي وينادي ربه إلى الصباح، فقلت له يومًا: منذ كم جننت؟ قال: مذ عرفته، ثم أنشد يقول:
أنا الذي ألبسني سيدي … لما تعريت لباس الوداد
فصرت لا آوي إلى مؤنس … إلا إلى ممالك رزق العباد
قال: فخرجت فإذا به ذاهب العقل، فدخل وقال: ﴿آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا﴾ (١)، فقلت: إنه جائع، فقدمت له طعاما، فأكل ثم شرب، فأنشأ يقول: